أوام أونلاين – خاص:
للشهر الثالث على التوالي، يرزح المئات من التجّار والمستثمرين في مدينة الحزم (عاصمة محافظة الجوف)، تحت وطأة الجبايات التي تفرضها عليهم مليشيات الحوثي الانقلابية، المدعومة من إيران والتي جعلتهم بين خيارين، إما إغلاق مشاريعهم الاستثمارية وإما الإفلاس.
وعلى الطريقة التي انتهجتها مع التجّار ورجال المال في صنعاء والمناطق الأخيرة الخاضعة لسيطرتها، استخدمت مليشيات الحوثي أسماء متعددة لفرض الإتاوات في مدينة الحزم التي شهدت خلال السنوات القليلة الماضية نشاطاً تجارياً لافتاً ومنها (الضرائب- الزكاة- تجديد التراخيص- الخمس- المجهود الحربي).
تصاعد الجبايات وتراجع السوق
يقول أحد التجّار لـ"أوام أونلاين" إن هذه الجبايات تأتي في ظل تراجع العمل التجاري بشكل غير مسبوق بفعل عملية النزوح المستمرة وانعدام العمل وتوقف المرتبات بعد احتلال الحوثيين للمدينة مطلع مارس الماضي الماضي، مشيراً إلى أن الحوثيين شرعوا في فرض إتاوات على المحلات التجارية وشركات الصرافة والمطاعم والمراكز الصحّية وكافة المؤسسات والمشاريع الخدمية وتتفاوت هذه المبالغ بحسب نوع وحجم المشروع.
وأضاف التاجر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته خوفاً من انتقام الحوثيين، إن الإتاوات يتم فرضها بالقوّة تحت مسمّيات متعددة، وتزايدت بشكل تدريجي وصولاً إلى ذروتها في شهر رمضان (أي بعد شهرين من سيطرتهم على المدينة)، لافتاً إلى أن الكثير من التجار بدأوا بالتفكير في إغلاق محلاتهم أو بيعها بأي ثمن لعدم قدرتهم على مواجهة الجبايات الحوثية فضلاً عن الاحتياجات الضرورية لتوفير الخدمة والحفاظ على رأس المال.
الإفلاس يهدد شركات الصرافة
وكانت شركات ومحلات الصرافة كانت على رأس قائمة الاستهداف الحوثي، وأصبحت مهددة بالإفلاس، وحول هذا الأمر، يقول مالك أحد شركات الصرافة بمدينة الحزم (رفض الكشف عن هويّته حفاظاً على سلامته)، إن آخر الإتاوات التي فرضتها المليشيات الحوثية على محلات وشركات الصرافة هي مبالغ باهظة تحت مسمّى ضرائب سنوية، بالإضافة إلى مبلغ مليون و500 ألف ريال سنوياً تحت مسمى رسوم تجديد التراخيص من البنك المركزي بصنعاء.
ويؤكّد في حديثه لـ"أوام أونلاين" أن الكثير من الصرّافين في مدينة الحزم بالجوف أصبحوا غير قادرين على دفع المبالغ الكبيرة التي تفرضها عليهم مليشيا الحوثي في ظل الركود شهدته المدينة بعد سيطرة الحوثيين عليها، مؤكداً أن إصرار الحوثيين على مطالبتهم بدفع أموال بين الحين والآخر أصبح لا يطاق وقد تضطرّهم لإغلاق محلّاتهم وإنهاء خدماتهم قبل أن يتعرّضوا للإفلاس.
استنزاف مالي
وتضاف الإتاوات الحوثية، وفقاً لمالك شركة الصرافة، إلى سلسلة من التحدّيات التي تواجه عمل المستثمرين في قطاع الصرافة بمحافظة الجوف ومنها عدم وجود فرع للبنك المركزي بالمحافظة "ولا فروع للبنوك التجارية والإسلامية لكي يسهل علينا تغطية الأرصدة".
وتأتي إلى جانب صعوبات أخرى تستنزفهم مالياً ومنها "عدم وجود خدمة الكهرباء بشكل مستمر مما يجعلنا نستنزف تكاليف كبيرة لتوفير كهرباء خاص، بالإضافة إلى رداءة خدمة الإنترنت مما يضطرنا إلى توفير انترنت بديل عبر الأقمار الصناعية باشتراك شهري لا يقل عن ١٥٠ دولار".
وقال إن المليشيات الحوثية لم تراع هذه التحدّيات التي تواجه عملهم كما كانت تتعامل معهم السلطات الشرعية في السابق فالوضع بمحافظة الجوف "لا يستوي مع المحافظات الأخرى التي تتوفّر فيها الخدمات العامة والضرورية لمزاولة العمل في مجال الصرافة والتحويلات".
تكاليف باهظة ولا فائدة
وحول مستوى الفائدة التي يجنيها المستثمرون في الصرافة والتحويلات بحزم الجوف، يقول عوض سالم (اسم مستعار)، إن العمل الاستثماري تأثّر بشكل كبير جداً في ظل سلطة المليشيات الحوثية تقلصت الفائدة إلى الصفر فما يتم تحصيله لا يفي بسداد المبالغ التي يفرضها الحوثيون عليهم بين الحين والآخر تحت ذرائع متعددة وتحت تهديد السلاح.
ويضيف: "كان من المفترض أن يضعوا استثناءات سواءً تخفيض الضريبة أو حتى الإعفاء منها إلى أن تنهض المحافظة وتنتعش إذا كانوا فعلاً يسعون لبناء دولة وتقديم نموذج أفضل من السلطات السابقة التي أزاحوها بقوّة السلاح".
وأشار إلى أن الخدمة التي يقدّمونها للمواطنين في ظل الأوضاع الجديدة تتم "بتكاليف باهظه تقلص من الفائدة وتصبح الفائدة ضعيفة جداً لا تغطي التكاليف وهنا تحدث الخسائر، ناهيك عن تقسيم العملة الوطنية قديم وجديد وما يحدث من فوارق لسعر الصرف كل ساعه وأحياناً يتغير الفارق في الساعة الواحدة أكثر من مرتين".
لا استثناء من الجبايات
وفيما إذا كان هناك استثناء من الإتاوات الحوثية، يوضح "سالم" إنه لا استثناء فالجبايات شملت التجار والصرافين ومحلات الذهب والمراكز الطبية والمؤسسات التجارية والخدمية ولم ينج منها حتى صغار التجّار وملاك البسطات.
وأشار إلى أن هناك استهداف ممنهج من قبل المليشيات الحوثية للتجّار والمستثمرين في مدينة الحزم سواءً من حيث فرض الإتاوات بمبررات وأسماء متعددة كـ(الضرائب أو الزكاة أو أي إتاوات أخرى) أو من حيث أساليب التعامل الهمجية أثناء تقاضيها بطريقة أشبه ما تكون بفرض الجزية "وكأننا على دين غير دين الإسلام".
الحزم بين سلطتين
وخلال السنوات الأربع الماضة، شهدت مدينة الحزم افتتاح نحو 20 شركة ومحلاً للصرافة والتحويلات، وفقاً لما ذكرته مصادر مطّلعة لـ"أوام أونلاين". وبحسب المصادر، فإن ذلك تم في ظل الأمن والاستقرار الذي نجحت السلطات الشرعية في توفيره ضمن مساعيها لتهيئة الظروف الملائمة لجلب المستثمرين وتحقيق قفزة في بناء المحافظة ونهضتها، مشيرة إلى أن أسعار العقارات شهدت ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة الإقبال الشديد على شرائها من المواطنين داخل المحافظة وخارجها.
إلا أن جميع المشاريع التنموية الحكومية والمشاريع الاستثمارية الخاصة توقفت بشكل نهائي مع اجتياح المليشيات الحوثية للمدينة أواخر فبراير الماضي وصولاً للسيطرة عليها كلياً مطلع مارس 2020، وفقاً للمصادر التي أشارت إلى أن المدينة أصبحت أشبه بقرية مهجورة في ظل مغادرة المستثمرين ورجال المال والأعمال في ظل سلطة القمع والإتاوات المتواصلة التي تفرضها المليشيات، وهو بخلاف الوضع السابق الذي شهد تنامياً مستمرًا للسوق والاستثمار بشكل عام.