أوام أونلاين – خاص:
قدمت محافظة مأرب خلال فترة الحرب نموذجًا مبهرًا ومختلفاً عن غيرها من المحافظات على كافة المستويات من الاستعصاء على مليشيات الحوثي الانقلابية إلى ترسيخ مؤسسات الدولة وتطويرها إلى احتضانها مئات الآلاف من اليمنيين النازحين والباحثين عن الأمان والخدمات، وهو ما أكسبها تقديراً خارجياً تجلى في شهادات الزائرين الأجانب من سفراء دول إلى مسؤولين أممين.
وخلال سنوات الحرب، تحوّلت مأرب وخاصة مركزها الإداري الذي يحمل اسمها، إلى شعلة نشاط اقتصادي وتوسع عمراني وبيئة آمنة جاذبة للمستثمرين من كافة المحافظات بفضل تعاون قيادة السلطة المحلية.
وغدت موطن مملكة سبأ مأوى وملاذاً آمناً للمواطنين اليمنيين الفارين من جحيم الحوثيين والباحثين عن حياة الأمن والاستقرار وسط فوضى الحرب التي عمت أنحاء البلاد.
آخر القلاع القوية للشرعية
ينظر المجتمع الدولي إلى محافظة مأرب على أنها آخر قلاع الدولة اليمنية القوية ومقر القوى الوطنية ومؤسسة القوات المسلحة، علاوة على كونها مصدراً للنفط والغاز وهذه الموارد الطبيعية تشغلها وتستثمر فيها شركات أجنبية أمريكية وفرنسية.
وأرجع الكاتب والباحث في العلاقات الدولية د. عادل دشيلة نجاح مأرب في صناعة هذه المكانة الدولية والإقليمية والمحلية في خلال هذه الفترة القياسية، إلى الوعي المجتمعي لأبناء المحافظة وتمسكها بسلطات الدولة الشرعية ورفضها للانقلاب منذ البداية.
وأضاف دشيلة لـ"أوام أونلاين" أن مأرب أثبتت أنها الحصن القوي في المعادلة السياسية التي كسرت صنمية الانقلابيين، كما كانت المحطة الرئيسية لتشكيل الجيش الوطني والتيار الرئيسية لتشكيل الجيش الوطني، والمحافظة التي فتحت أبوابها لكل المشردين من جحيم الانقلابيين.
مأرب في الصدارة
ونالت مأرب هذه المكانة بفضل نجاح السلطة المحلية وقدرتها على إيجاد نهضة تنموية مقبولة قياساً بالزمن والظروف المحيطة والقائمة، وكذلك توفير بيئة آمنة ومستقرة وبناء أجهزة أمنية قوية وضعت حدا لممارسات العناصر الإجرامية الخارجة عن النظام والقانون، الساعية الى تقويض الأمن والسلم الاجتماعي -والجزئية الأخيرة دائما ما تأتي في قائمة أولويات مساعي المجتمع الدولي- وحماية المصالح المشتركة الدولية والإقليمية.
صورة ليلية لمأرب تعكس مستوى التغير الذي طرأ عليها
وقد ترجمت عوامل نجاح المحافظة ومكانتها الدولية إلى واقع حقيقي، وذلك من خلال الوفود الدولية والإقليمية التي زارت المحافظة خلال الثلاث السنوات الماضية، ووفقاً لتقرير رسمي صادر عن السلطة المحلية فقد استقبلت محافظة مأرب 225 زائراً من دبلوماسيين وإعلاميين أجانب خلال عام 2018 فقط، من بينهم 18 وفدًا يمثلون منظمات أممية ودولية، بالإضافة الى عشرات الوفود خلال عامي 2019 و2020. حق 2020 "أهمها زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث.
وتوزعت الزيارات على 12 جنسية؛ حيث كان النصيب الأعلى للولايات المتحدة الأمريكية، بواقع 136 أمريكياً، وأهمها كانت زيارة السفير الأمريكي السابق ماثیو تولر الذي زار المحافظة مرتين في ذات العام، لتكون الزيارة الأولى له لليمن منذ مغادرة البعثة الأمريكية للعاصمة صنعاء في 2015.
كما زار مأرب 14 وفداً بريطانياً، و9 فرنسيين، وأهمها زيارة الوفد البرلماني الفرنسي برئاسة النائبة ”نتالي غولي“ ، والسفير الفرنسي لدى اليمن، كريستيان تيستو كأول وفد دبلوماسي زار اليمن منذ مغادرة البعثات الدبلوماسية الدولية جراء انقلاب مليشيا الحوثي في 21 سبتمبر 2014، بالإضافة إلى عدد من الوفود الأخرى من ألمانيا، إيطاليا، هولندا، السويد، سويسرا، استراليا، إضافة الى دول إقليمية وعربية.
محافظ مأرب مع السفير الفرنسي والوفد المرافق له في مأرب
اهتمام وشهادات دولية
مع تسارع وتيرة الأحداث مؤخراً، وإقدام مليشيا الحوثي الانقلابية على التصعيد عسكرياً في "نهم، الجوف"، وُضعت محافظة مأرب على قائمة أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، كونها تمثل حجر الزاوية الرئيسي في مستقبل الدولة اليمنية، ويترتب على مواقفها في معركة الشرعية مع الانقلابيين الشيء الكثير في معادلة الحرب والسلام.
ومن هذا المنطلق جاءت زيارة غريفيث للمحافظة لأول مرة في مارس الماضي، وألتقى خلالها بمحافظ المحافظة اللواء سلطان بن علي العرادة، لبحث إمكانية التهدئة قبل إعلان ذلك من قبل التحالف مطلع أبريل الماضي.
المبعوث الأممي لليمن خلال المؤتمر الصحفي مع المحافظ العرادة بمأرب
وبحسب ما قال غريفيث وقتها، فقد كان ملف النازحين من ضمن أهداف زيارته بعد ان صارت مأرب تأوي قرابة ثلاثة مليون نازح، وفق تقديرات وكيل المحافظة د.عبدربه مفتاح في حوار سابق مع "أوام أونلاين"، حيث نجحت السلطة المحلية في التعامل مع هذا الملف طيلة سنوات الحرب، على الرغم من العبء الكبير.
وبين الحين والآخر، يجري سفراء أجانب اتصالات مع المحافظ بشأن الوضع في اليمن، وكان آخرهم السفير البريطاني مايكل آرون، الذي تحدث مع المحافظ عبر سكايب.
في الشهر الماضي، زار بيتر سالزبوري، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية مأرب وقضى فيها أياماً وبعد عودته كتب تقريراً عما شاهده نشره في موقع المجموعة الالكتروني.
ومن بين ما كتبه قوله “أخبرني الجميع أن إيقاع التغيير تسارع على مدى العامين الماضيين مع تحسن الوضع الأمني وشروع الاقتصاد بالنمو” وبفضل هذا الاستقرار تحوّلت من مدينة “كان يشقها طريق واحد وفيها مطعم واحد” إلى مدينة تنبض بالحياة وتنتشر “فيها الفنادق في أماكن بارزة، والمصارف الخاصة، ومراكز التسوق الكبيرة، والطرق السريعة بأربع مسارات، وجامعة، وملعب كبير لكرة القدم وعدد كبير من المطاعم، بما في ذلك فروع مؤسسة الشيباني الشهيرة للمطاعم”.
يضيف الخبير البريطاني الجنسية أنه على الرغم من أن “مأرب لا تبعد عن خطوط الجبهة سوى نصف ساعة” فإنه “الأمر الذي يبدو أنه يعزز شعوراً متميزاً بالفخر لدى أهل المدينة. كان الناس متشوقين لإخباري عن نمو المدينة وهدوئها النسبي. حلفاء الحكومة والسلطات المحلية، أكدوا على نقطة أن المدينة جزيرة من الاستقرار والحوكمة الرشيدة وسط فوضى الحرب الحالية”.
وعن تحركاته في المدينة ليلا ونهاراً، يقول في شهادته “أن يُقال لك إن الأمور طبيعية شيء وأن تشعر بذلك بنفسك شيء آخر. رغم أن مشهدي كان نادراً كأجنبي في المنطقة، فإني لم أشعر بأي تهديد أو بدرجة كبيرة بالفضول حيال وجودي هناك. بل إني كنت قادراً على التمشي لمسافات قصيرة إلى المقاهي والمطاعم ليلاً، وهو أمر كان قد أصبح مستحيلاً تقريباً بالنسبة لي منذ بداية الحرب في أماكن أخرى من البلاد، إما بسبب غياب الأمن أو بسبب الممارسات ثقيلة الوطأة لحفظ الأمن من قبل السلطات المحلية”.