أوام أونلاين – خاص:
لم يكن يدور بخلد الشاب محمد صالح أنه سيكون ضحية للجهة التي يدعمها ويتعاطف معها وهي "المجلس الانتقالي" ولكن هذا الأمر حدث حين تعرض لاعتداء من قبل التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانفصالي المدعوم من الإمارات والتي قمعت بالقوة مواطنين كانوا يحتجون على تردي الخدمات العامة والأمن بمدينة كريتر بمحافظة عدن مساء السبت.
يشعر محمد ذو الـ27 عاماً بصدمة كما يقول، بسبب ما تعرض له شخصياً مع زملائه الذين كانوا يشاركون في الاحتجاجات، على اعتبار أنه من المؤيدين للمجلس ولم يكن يستحق ما حصل له وهذا ما جعله يبدأ مرحلة "إعادة التفكير بتأييدي للمجلس وإذا لم يحترم حرية الناس وحقهم في المطالبة بحقوقهم فقد أجد نفسي بعيداً عنه".
يقول لـ"أوام أونلاين" إن الدرس الذي استخلصه مما جرى له هو سؤال نفسه كيف وقع في تأييد المجلس مع "أنني لا أرغب في ممارسة السياسة وليس لديّ ميول سياسية" ويخلص إلى أن للأمر علاقة بتأثير "التعبئة المناطقية واليأس من الواقع لعل المجلس يقودنا لاستعادة الدولة" بحسب تعبيره.
اجترار ماضي التسلط والقمع
تعكس تجربة هذا الشاب حال الكثيرين ممن اعتقدوا أن المجلس يُمكن أن يكون مختلفاً عما عرفوه من كيانات جنوبية كثيرة تصدرت المشهد باسم "استعادة الدولة" لكنها جميعها اشتركت في اجترار ماضي التسلط والتعامل العنيف مع المخالفين في الرأي وإقصاء حق الاختلاف والتنوع وفرض اللون الواحد، ومن يعارض يُتهم بالانتماء لجهات معادية للجنوب بكله وليس لهذا الفصيل أو ذاك.
ومثلما يُقال في السياسة أنه إذا أردت إحراق حزب أو مكون ما، فأسمح له بالوصول للسلطة، وهذا ما ينطبق على الانتقالي الذي جاءها بالانقلاب المسلح بدعم إماراتي في أغسطس الماضي عندما فرض سيطرته على عدن ولحج والضالع وأجزاء من أبين قبل أن ينكسر عسكرياً في شبوة.
يقول معارضو المجلس من الجنوبيين الذين ينتمون لفصائل الحراك المختلفة بما فيها فصيل حسن باعوم، إنه لا علاقة بالحراك الجنوبي الذي بدأ في عام 2007، وليس امتداداً له، وإنما صنعه الممول الإماراتي بالقوة والمال وهو استغل الفراغ وضف سلطة الشرعية وفرض نفسه في الواقع، مع محاولة إضفاء نوع شكلي من المشروعية الشعبية بما يسميه "التفويض الشعبي" وهو عبارة عن مسيرات دعا لها وحدد أهدافها وقرأ بيانها بتفويض نفسه ممثلاً للجنوبيين.
ومن وجهة نظر هؤلاء، فإن المفارقة التي سقط فيها المجلس في أول اختبار سياسي وشعبي أنه لم يحترم الخيار الشعبي الذي يقول إنه جاء منه وأنه يحظى بتأييد شعبي كبير ويسمح للمواطنين في كريتر وغيرها بالتظاهر السلمي احتجاجاً على تردي خدمات الماء والكهرباء والنظافة والأمن، بل فعل العكس بقمعها بالرصاص واعتقال المشاركين لبعض الوقت قبل إطلاق سراحهم وإغلاق الشوارع والحارات بالانتشار الأمني المكثف.
بحسب مصادر محلية وشهود عيان، انتشر مسلحون يتبعون الانتقالي في شارع الملكة أروى ومحيط البنك الأهلي بكريتر وطوقوا مواقع عشرات المحتجين الذين هتفوا ضد المجلس بوصفه سلطة الأمر الواقع قبل أن يرد مسلحوه بإطلاق النار من سلاح الدوشكا في الهواء لتفريقهم.
حلال له حرام على غيره
وفي الوقت الذي كان المجلس يقمع المواطنين المحتجين سلمياً بعدن، كان ينظم مظاهرات في محافظة أبين المجاورة تحت شعارات عدة منها احترام حق الشارع الجنوبي في فرض الخيار الذي أعلنه المجلس يوم 25 أبريل الماضي، وهو حالة الطوارئ و "الإدارة الذاتية" مع أن هذا إعلاناً يمثله هو بدليل رفضه من معظم محافظات الجنوب والقوى السياسية والقبلية والمدنية.
جانب من مسيرة نظمها الانتقالي في أبين (9 مايو) في حين قمع مسيرة عدن
ويتسق هذا التعامل مع مواقف المجلس وتصريحات قيادته التي وصفت المحتجين من قبل بالمندسين وكالت لهم اتهامات غير لائقة، وتعكس حقيقة مشروعه المعادي للحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كونه كياناً مسلحاً بالأصل وما المجلس إلا واجهة سياسية شكلية للتشكيلات المسلحة التي أنشأتها ومولتها الإمارات من الحزام الأمني للنُخب المختلفة.
وقبل المظاهرة التي دعت لها "اللجنة التحضيرية " والتي تضم مكونات جنوبية عدة وتطرح شعارات منها "كلنا من أجلك يا عدن"، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة منسوبة لما يُسمى بـ"رئيس الإدارة الذاتية للجنوب" أحمد سعيد بن بريك، وتتضمن توجيهاً إلى مدير أمن عدن الخاضعة لسيطرتهم يطلب منه محاسبة ومعاقبة من سمّاهم "الساخرين" من خطواته وقراراته بالسجن ستة أشهر والغرامة مليون ريال.
وتعليقا على ذلك، قالت وزيرة حقوق الإنسان السابقة، حورية مشهور، إن "هذا انتهاك لحرية التعبير التي ينص عليها الدستور والقانون والعهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية".
ردود فعل واسعة
وكانت اللجنة المنظمة للتظاهرة قد قدمت روايتها لما حدث، مشيرة في بيان لها، إلى أن "قوات الأمن والوحدات العسكرية طوقت بصورة عنيفة مدينة كريتر عصر السبت ٩ مايو ٢٠٢٠م وذلك منعا بالقوة العسكرية المفرطة بإقامة المظاهرة السلمية واعتقلت بعض الشباب قبل أن تفرج عنهم لاحقاً، فضلا عن تعرض الآخرين ومنهم نساء إلى الشتم والقذف".
دورية للانتقالي في كريتر
من جانبه، استنكر ما يسمى "المجلس الأعلى للحراك الثوري" والذي يعتبر جزءاً من اللجنة المنظمة، ويقوده حسن باعوم، اعتقال رئيس المجلس بعدن حسن اليزيدي واقتياده إلى إدارة الأمن واحتجازه لأكثر من ساعة ونصف، بسبب المسيرة.
ودعا المجلس عقلاء الانتقالي إلى "لجم مجانينهم والتوقف عن تسعير الحرب الجنوبية التي لن تبقي جنوبيا منتصرا على الإطلاق"، مؤكداً "أن عملية التصدي بالقوة العسكرية المفرطة لأهالي عدن وقمعهم مؤشر خطير وتدل دلالة دامغة على مستقبل يسوده العنف ويحرّض على تشكيل قوات عسكرية متعددة الولاءات للدفاع عن النفس وعن الجنوب وأهله الصابرين الشرفاء الأحرار".
عناصر الانتقالي الملثمون انتشروا على امتداد شارع الملكة أروى بكريتر لمنع المحتجين
وختم المجلس بلاغه بالتأكيد على أنه "يدعم بقوة حق التظاهر السلمي لأبناء عدن وكافة أبناء الجنوب ويرفض الاستقواء وأن هذا القمع لن يزيدهم إلا قوة وإصراراً على تنظيم أنفسهم واستمرار أنشطتهم النضالية الاحتجاجية العادلة".
أما المحامية عفراء حريري، فقد علقت على ما حدث بكريتر في منشور مقتضب بفيس بوك قائلة "ما أشبه اليوم بالبارحة ، تم قمع التظاهرة السلمية وأغلقت كريتر وكان العذر ابتداء أن السيارة ستأتي للرش، جاءت سيارة الدفاع المدني ذات اللون الأصفر ترش ماء وكلورس فوق المجاري ؟؟؟"
في السياق، أدان رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، عبدالكريم السعدي، "قمع المتظاهرين السلميين في عدن من قبل العصابات المسلحة" مؤكداً "وقوفنا إلى جانب أهلنا في عدن وغيرها من مدن الجنوب ودعمنا لحقهم في التعبير عن رفضهم للحالة المزرية التي وصلت إليها محافظة عدن وغيرها من مدن الجنوب".
عناصر الانتقالي كانوا في حالة جاهزية بمواجهة محتجين سلميين
من جهته، أصدر حزب التجمع الوحدوي اليمني، بياناً قال فيه إنه "في الوقت الذي نحيي فيه الشباب الأبطال الذين تحدوا السلطات الأمنية والتهديدات والشتائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل البعض المحسوبين على الانتقالي للأسف وتكفير المتظاهرين واتهامهم بأبشع الألفاظ، فإننا ندين ونستنكر هذه التصرفات التي تبشر بعهد أسود من ضرب الحريات وضياع المكاسب الديمقراطية الدستورية في حدودها الدنيا التي تم وضعها في دستور دولة الوحدة".