أوام أونلاين -خاص:
كل عام يتضاعف العبء الأمني على كافة الوحدات الأمنية في محافظة مأرب بسبب الزيادة المستمرة في عدد السكان وحركة النزوح وغيرها من العوامل التي تفرض تحديات جديدة وتتطلب جهوداً أمنية مضاعفة تواكب كل هذه المتغيرات بما في ذلك المتغيرات التي تفرضها بعض المناسبات مثل شهر رمضان المبارك.
فمأرب اليوم غير الأمس، وعاصمتها التي تحمل نفس الاسم شهدت تغييرات هذا العام أكثر من الماضي والذي قبله وهكذا منذ خمس سنوات، على مستوى توسع التجمعات السكانية التي تنمو بسرعة كبيرة نتيجة الإقبال عليها من مدن أخرى بحثاً عن الأمن والاستقرار والخدمات وهروباً من جحيم مليشيات الحوثي الانقلابية، علاوة على استمرار موجة النزوح من مناطق القتال القريبة مثل الجوف ونهم والتي قدم منها منذ بداية العام أكثر من 30 ألف نازح.
وخلال السنوات الخمس الماضية، أصبحت مأرب باعتراف من زاروها من اليمنيين والأجانب وبينهم باحثون وسفراء دول واحة للاستقرار والحرية بشكل كبير مقارنة مع المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية أو الانقلابيين، وهذا النموذج الذي قدمته بفضل الإدارة الحكيمة والمسؤولة لقيادة السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ اللواء سلطان بن علي العرادة، طمس الصورة السلبية التي تم ترسيخها في أذهان اليمنيين لسنوات طويلة لأهداف لا تخفى على أحد.
خطة رمضان
ويبقى الحفاظ على حالة الاستقرار هو الهدف الثابت بالنسبة لقوات الأمن التي تؤدي واجبها المنوط بها وفقاً للخطط والرؤى المرسومة والمحدثة تبعاً للتطورات والمتغيرات وطبيعة التحديات المستجدة، والمناسبات العديدة مثل الشهر الفضيل الذي تفرض حياة الناس فيه اتباع خطة أمنية تواكب المناسبة.
وتشمل هذه الخطة تكثيف الانتشار الأمني لمنتسبي شرطة السير في جولات وشوارع المدينة من أجل منع الاختناقات المرورية في الطرقات والأسواق، والاستجابة السرعية للحوادث التي تزداد نتيجة السرعة الزائدة خاصة قبل أذان المغرب، بالإضافة إلى تعزيز أمن الطرقات بدوريات في الطرقات الهامة الرابطة بين المديريات والمحافظة بالتعاون والتنسيق الكامل بين مختلف الأجهزة الأمنية.
وبحسب مصادر "أوام أونلاين" فإن الخطة تستوعب التحديات التي تفرضها المناسبة كل عام والتي تختلف من عام لآخر، وهي التحدي المروري الذي يكبر في رمضان أكثر من غيره، والتحدي الأمني المرتبط بالمناسبة نفسها ويتمثل في الانتشار الأمني في الحارات والتجمعات المزدحمة والأماكن القريبة من الأسواق والمراكز التجارية للتدخل السريع لأي مشكلات قد تنجم عن التغيب عن المنازل للزيارات أو العبادات.
رجال المرور يحاولون تخفيف الازدحام
وتضيف "يتم توسيع تواجد رجال المرور في الجولات والشوارع للتعامل مع متغيرات رمضان المتمثلة في زيادة التسوق والخروج والذي ينجم عنه ازدحام واختناقات مرورية خاصة في أماكن الأسواق والمجمعات التجارية" مؤكدة أن مهمة الحفاظ على انسيابية الحركة لا ترتبط بالمرور أو الأمن بشكل عام بقدر ما تتعلق بوعي المواطن من خلال التعاون مع المرور وتجنب ارتكاب المخالفات أثناء القيادة سواء في الوقوف الخاطئ أو السرعة الزائدة.
وبعيداً عن رمضان، فإن للازدحام أسباب أخرى منها أن شوارع المدينة الحالية محدودة ولم تعد قادرة على استيعاب الكثافة السكانية وهذا ما تدركه السلطة المحلية بحسب وكيل المحافظة، د. عبدربه مفتاح، الذي قال في حوار سابق مع "أوام أونلاين" إن العمل مستمر لإنشاء طرق جديدة تستوعب سكان مأرب والذين يتجاوزن أكثر من ثلاثة ملايين شخص مقارنة مع قرابة 350 ألف قبل سنوات.
وكما هو معروف، ففي رمضان يكثر خروج الناس من منازلهم إما للتسوق أو للزيارات وأداء العبادات وهذا ما قد يستغله ضعاف النفوس وأصحاب السوابق بالدخول للمنازل وسرقة ما يجدون من ممتلكات، ونفس الأمر ينطبق على الأماكن المزدحمة مثل الأسواق والمولات التي قد تحدث فيها إشكالات ناتجة عن اعتداءات بين مرتادي هذه الأماكن.
وهذا التحدي الأمني وفق ذات المصادر، في حسبان قوات الأمن التي عملت على تكثيف تواجدها في الحارات والأماكن القريبة من التجمعات والأسواق والمساجد ويشمل التواجد المؤقت لحين زوال الظروف التي استدعته أو المتحرك من خلال الدوريات التي تنتقل من مكان إلى آخر، مذكرة المواطنين برقم الطوارئ المجاني (199) المخصص للبلاغات والشكاوى وطلب المساعدة.
نجاح أمني بشهادة الأجانب
يمثل التحدي الأمني الاختبار الحقيقي لأي سلطة وقد نجحت به السلطة المحلية من خلال بناء جهاز أمني محترف يشمل قوات الأمن الخاصة والمنشآت والأمن العام وأمن الطرق والدوريات وبقية الوحدات الأمنية الآخرى التي اضطلعت جميعها بمسؤولياتها وفرضت سلطة الدولة لتكون النتيجة أمان وسلام للمواطن والتاجر والزائر، على الرغم من أن المحافظة لا تزال محاطة بجبهات حرب مستعرة ومليشيات متربصة وطامعة بمأرب وخيراتها تحاول إقلاق الأمن لكنها تجد يقظة الأمن فتفشل فتلجأ للطائرات المسيرة والصواريخ للانتقام من المدنيين.
الحفاظ على حالة الاستقرار والأمن التي يلمسها الساكن والزائر لمأرب في الليل والنهار لم يكن أمراً سهلاً، لولا العمل الدؤوب المستند لرؤية واضحة لخلق نموذج مختلف عن الموجود هنا وهناك، وهذا الهدف كان من أولويات المحافظ الذي دعم القوات الأمنية ولا يزال من أجل تأدية مهامها في المحافظة التي استوعبت واستقبلت جميع اليمنيين دون تمييز ولهذا باتت في نظرهم "الجمهورية المصغرة".
قوات الأمن الخاصة بُنيت على أسس احترافية
أحد هؤلاء الأجانب الذين زاروا مأرب مؤخرا وتحديداً الشهر الماضي هو بيتر سالزبوري، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية والذي قضى فيها أياماً وكتب تقريراً عما شاهده نشره في موقع المجموعة الالكتروني.
يقول "أخبرني الجميع أن إيقاع التغيير تسارع على مدى العامين الماضيين مع تحسن الوضع الأمني وشروع الاقتصاد بالنمو" وبفضل هذا الاستقرار تحوّلت من مدينة "كان يشقها طريق واحد وفيها مطعم واحد" إلى مدينة تنبض بالحياة وتنتشر "فيها الفنادق في أماكن بارزة، والمصارف الخاصة، ومراكز التسوق الكبيرة، والطرق السريعة بأربع مسارات، وجامعة، وملعب كبير لكرة القدم وعدد كبير من المطاعم، بما في ذلك فروع مؤسسة الشيباني الشهيرة للمطاعم".
يضيف الخبير البريطاني الجنسية أنه على الرغم من أن "مأرب لا تبعد عن خطوط الجبهة سوى نصف ساعة" فإنه "الأمر الذي يبدو أنه يعزز شعوراً متميزاً بالفخر لدى أهل المدينة. كان الناس متشوقين لإخباري عن نمو المدينة وهدوئها النسبي. حلفاء الحكومة والسلطات المحلية، أكدوا على نقطة أن المدينة جزيرة من الاستقرار والحوكمة الرشيدة وسط فوضى الحرب الحالية".
وعن تحركاته في المدينة ليلا ونهاراً، يقول في شهادته "أن يُقال لك إن الأمور طبيعية شيء وأن تشعر بذلك بنفسك شيء آخر. رغم أن مشهدي كان نادراً كأجنبي في المنطقة، فإني لم أشعر بأي تهديد أو بدرجة كبيرة بالفضول حيال وجودي هناك. بل إني كنت قادراً على التمشي لمسافات قصيرة إلى المقاهي والمطاعم ليلاً، وهو أمر كان قد أصبح مستحيلاً تقريباً بالنسبة لي منذ بداية الحرب في أماكن أخرى من البلاد، إما بسبب غياب الأمن أو بسبب الممارسات ثقيلة الوطأة لحفظ الأمن من قبل السلطات المحلية".