الشهيد عبدالرب الشدادي.. شرف العسكرية اليمنية ونموذج للقائد الذي نحتاجه للنصر (تقرير)

الشهيد عبدالرب الشدادي.. شرف العسكرية اليمنية ونموذج للقائد الذي نحتاجه للنصر (تقرير)
أوام أونلاين - خاص:
  • 07 أكتوبر ,2020 10:39 ص


 

 

 

ينتمي الشهيد اللواء الركن عبدالرب الشدادي إلى نوعية القادة الذين لا يمكن تعويضهم بسهولة وهذا ما أثبتته الأحداث والفراغ القيادي الذي تركه باستشهاده في مثل اليوم السابع من أكتوبر عام 2016 وهو يقود القوات المسلحة والمقاومة الشعبية المساندة لها ضد مليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران بمديرية صرواح غرب محافظة مأرب.

 

لم يكن الشدادي الذي كان يقود المنطقة العسكرية الثالثة ومقرها محافظته مأرب، مجرد قائدا عسكريا فحسب، بل قائداً عاماً، للعسكري والمقاوم والقبيلي كما يقول اللواء الركن مفرح بحيبح، قائد محور بيحان العسكري في تصريحات سابقة له عن الرجل، الذي مثّل رمزاً وطنياً جامعاً بين الحنكة العسكرية وإدارة الرديف الشعبي المساند للقوات المسلحة.

 

مرت أربع سنوات على رحيله الموجع بالنظر لقدراته القيادية الفذة وعلاقاته الاجتماعية الواسعة وتمتعه بكاريزما القائد الذي يُحسن التصرف في أسوأ الظروف ويحوّل الحاضنة الاجتماعية إلى جيش تحت إدارته يقاتل بكل بسالة وشجاعة وهو يلقى التقدير والاهتمام للجريح والشهيد وأسر هؤلاء الأبطال، علاوة على قربه من المقاتلين معه دون النظر في أي تعريفات أخرى عدا بطاقة الجندية والاستحقاق للدعم والمساعدة. هو شرف العسكرية اليمنية ونموذج القائد المطلوب للنصر في المعركة الوطنية.

 

نجم منذ الطفولة

 

لم يسطع نجم الشدادي القيادي منذ 2015 ولا منذ ثورة 11 فبراير 2011 التي انحاز لها وحمى متظاهريها خلافاً لرغبة النظام الذي كلفه بقيادة قوات للتعامل مع المحتجين، بل هو نجم منذ طفولته بحسب ما يقول المقربون منه والذين عرفوه في حينها، وتعرفه مسقط رأسه قرية الغول بمديرية العبدية بمأرب جيداً منذ خروجه إلى الحياة عام 1963، وسيعرف اليمنيون لاحقاً أن ذلك التاريخ هو ميلاد أحد أبرز قيادات القوات المسلحة اليمنية الذين انحازوا للشعب قولاً وفعلاً ورفضوا الخضوع لرغبات وتهديدات الحاكم الشرعي والانقلابي المسكون بوهم القوة والخرافة.

 

تفيد المعلومات المتوافرة أن والده قاسم أحمد عبدربه الشدادي وعددا من إخوته استشهدوا وهو في الخامسة من العمر في حرب الجمهوريين والملكيين عقب اجتياح قريتهم وتهجير سكانها ليتولى أخوه الأكبر عبد ربه وخاله الشيخ سعيد الصوفي وأمه في رعايته بعد انتقالها إلى قرية خليلة، وهو يشارك في تقاسم المسؤولية بأعمال الزراعة ورعي الأغنام ولم يزل في التاسعة من العمر.

 

ورغم الظروف الصعبة التي يمر بها مثل أفراد أسرته، إلا أنه فتح قلبه للعلم ونهل من المعلامة بقريته وكان ذلك على يد عمه شقيق والده محمد أحمد عبدربه الشدادي ليتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم، ثم ينتقل إلى مرحلة أخرى أكثر تحدياً ونضجاً في شخصيته ومهاراته القياداته التي كانت تظهر مع مرور الوقت والأحداث.

 

تولى الشهيد عبدالرب مهتمين الأولى رعاية شؤون أسرته بعد ذهاب أشقائه للاغتراب في السعودية وقد تمكن من ذلك باقتدار والثانية رعاية الأرض فهي من أهم مصادر الرزق، ولمّا لم تكن الأمور المالية على ما يرام، قرر أن يعمل في مكان آخر هو بمديرية حريب حيث كان شقيقه الأكبر الشهيد سالم قاسم أحمد الشدادي دوراً كبيراً في صقل مواهبه وتنمية قدراته القيادية.

 

الالتحاق بالسلك العسكري

 

بعد أكثر من عقدين على ميلاده، شق الرجل طريقه نحو السلك العسكري وكانت البداية في الأول من يناير من عام 1981 وذلك حينما التحق جندياً في معسكر خالد بن الوليد بمحافظة تعز، وبعد عام واحد تخرج من دورة في سلاح المدرعات، وواصل تأهيل نفسه عسكرياً فنال في العام الثالث دورة في سلاح المشاة عام وهي الدورة التي منحته صف ضابط.

 

وفي ذلك العام، عام الترقي العسكري، قرر الشهيد عبدالرب الشدادي أن يؤسس حياته الاجتماعية فتزوج من أم أولاده وأنجبت له تسعة من الأبناء أربعة ذكور من بينهم سيف وهو قائد لواء حالياً ويتمتع بكاريزما القيادة ومشهود له بالشجاعة وقد نجح مع أبناء مديريته في منع الحوثي من دخول مديريتهم بعدما سيطر على جبهة قانية.

 

وبعد عام على الزواج سُجن لمدة شهرين مع الفصل من المعسكر بسبب ما تقول المعلومات أنه تصدى للضابط الفاسدين الذين كانوا يتعاونون مع المهربين في الساحل الغربي للبلاد، وبعد هذه التجربة قرر خوض أخرى جديدة ولكن هذه المرة خارج الوطن حيث سافر السعودية للعمل.

 

وبعد غُربة -لا يُعرف كم استمرت- تقول معلومات نشرتها عنه صحيفة "26 سبتمبر" التابعة للقوات المسلحة، أنه عاد للسلك العسكري بالفرفة الأولى للمدرع بطلب من قائدها وقتها ونائب الرئيس الحالي الفريق علي محسن الأحمر، الذي قد كان سمع به من خلال مواقفه في معسكر خالد بتعز، وفي الفرقة أكمل تعليمه الإعدادي.

 

في عام إعادة توحيد شطري اليمن، التحق بمدرسة المشاة وأخذ دورة في تأهيل الضباط وتخرج بتقدير ممتاز برتبة ملازم ثاني وتم ضم الضباط الخريجين من المدرسة المشاة على الدفعة السابعة والعشرين من خريجي الكلية الحربية، وبعد عامين عُين ركن تسليح الكتيبة الثالثة باللواء الأول مدرع، وفي العام التالي رُقي إلى رتبة إلى رتبة نقيب وعُين كاتباً مالياً للواء 310 مدرع والتابع للفرقة والذي كان مقره محافظة عمران ويقوده العميد الركن الشهيد حميد القشيبي.

 

شارك في الدفاع عن الوحدة في حرب الانفصال عام 1994م وشهد له زملائه بالشجاعة والتفاني والتضحة وكانت تلك الحرب ضد المتمردين الانفصاليين المقدمة لحرب أطول ضد متمردين آخرين يتواجدون شمال الوطن وتحديداً بمحافظة صعدة وستكون أطول معاركه معهم حتى استشهاده.

 

بعد انتصار قوات الشرعية على المتمردين الانفصاليين، عاد الشدادي لعمله كاتبا ماليا في اللواء 310 بعمران، وهنا يقول مرافقه صالح الخولاني إنه أول كاتب مالي يتم اختياره من الأفراد بما يُشبه الاقتراع الحر.

 

بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ سيحصل على شهادة الثانوية، ويلتحق بمعهد الثلايا في عدن لدراسة دورة قيادة ألوية ليتخرج بعد عام بدرجة امتياز، ويُرقى إلى رتبة رائد مع بقائه في عمله بنفس اللواء، وبالتزامن مع ذلك سيواصل الترقي العلمي، وذلك بالالتحاق بكلية التربية بجامعة صنعاء فرع عمران قسم تاريخ ليتخرج منها بدرجة البكالوريوس في عام 2004م.

 

وفي هذا العام، سيكون على موعد جديد مع التأهيل العسكري وذلك بالالتحاق بكلية القيادة والأركان لينال شهادة الماجستير علوم عسكرية بعد عام بدرجة جيد جداً، ويُرقى بعدها إلى رتبة مقدم مع حمل هيئة الركن.

 

بعد تخرجه من كلية القيادة، تم تعيينه قائداً للكتيبة الثالثة من اللواء 310 مدرع، وظل في هذا المنصب حتى عام 2008، وقبل هذا بعام كان قد عاد لمواجهة المتمردين ولكن هذه المرة في الشمال بصعدة، حيث قاتل مليشيات الحوثي حتى أصيب وبعدها سافر مصر للعلاج.

 

واصل الشدادي الصعود في سلم الترقي العسكري والتعليمي، حيث ترقى عسكرياً عام 2008 رئيساً لعمليات لواء المجد، ثم يُرقى إلى رتبة عقيد ويُعين أركان حرب اللواء 72 حرس جمهوري بمنطقة حرف سفيان بمحافظة عمران.

 

مع مطلع عام 2011، الذي شهد انطلاق ثورة 11 فبراير، استدعت قيادة الحرس الجمهوري الشدادي وكلفته بنقل كتيبتين من اللواء 72حرس جمهوري إلى العاصمة صنعاء، في إطار مساعيها لمواجهة المحتجين، لكنه انحاز لهم وقرر أن يشارك في حمايتهم بجنوده وأصيب عدة إصابات في مواجهات مع قوات الحرس الجمهوري التي هاجمت المتظاهرين في أطراف ساحة التغيير بجولة كنتاكي بشارع الزبيري.

 

لم يكن الشدادي مع خيار الصدام العسكري بين القوات النظامية التي انقسمت نصفين، لأنه وبحكم انتمائه للمؤسسة العسكرية يدرك خطر أي صدام من هذا النوع، لكن إصرار النظام حينها على استخدام القوة لقمع المحتجين السلميين أجبره على الدفاع عنهم ودفع ثمناً بإصابته في تلك المواجهات.

 

في 2012 تمت ترقيته إلى رتبة عميد وعُيّن قائداً للواء 312 مدرع بمديرية صرواح غرب مأرب، وهناك يقول أحد الجنود الذين كانوا يرافقونه إنه عمل على إعادة بناء اللواء على أسس عسكرية وقام بتأهيل أفراده ليكونوا على أهبّة الاستعداد للمهام القادمة.

 

دارت الأيام وبعد سنتين من ذلك، سيكون الشدادي على موعد مع تاريخ جديد من حياته حيث سيتعين عليه أن يجمع قواه ويلملم شتات أفراد الجيش استعداداً لمواجهة فلول الإمامة ممثلة بمليشيات الحوثي التي ستسقط العاصمة صنعاء في يوم 21 سبتمبر 2014 وبعدها تسيطر على الدولة في انقلاب مسلح سهل له تواطئ وخيانة داخلية وتآمر خارجي.

 

تساقطت المحافظات واحدة تلو أخرى بنفس الأسباب واستعصت بعضها وفي مقدمتها مأرب لوجود قيادات من أمثال الشدادي تحملوا المسؤولية بكل اقتدار وجمعوا جنودهم وحشدوا الناس بإمكانياتهم المتوفرة وقتها ومنعوا سيطرة الحوثيين على المحافظة وكانت هي الشوكة التي حنبت في حلوقهم ولم يستطيعوا أن يبتلعوها حتى بعدما بدا لهم المشهد سانحا مع توقف معظم جبهات القتال.

 

مطلع أبريل 2015 أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارا جمهوريا قضى بتعيين الشدادي قائدا للمنطقة العسكرية الثالثة وكانت أولى مهام القائد الجديد التعامل مع تحديات بالجملة أولها أن وضع المؤسسة العسكرية بالمحافظة هشا على مستوى الأفراد والعتاد وثانيا لأن العدو في أرض المعركة وليس لديه الوقت للإعداد الذي ينشده ولكنه مع ذلك رسخ لأهم قواعد وتقاليد العسكرية وهي أن الولاء هو لله والوطن والشعب لا للأشخاص والأحزاب والجماعات.

 

قاد الرجل بنفسه المعارك والانتصارات وجسد المعنى الحقيقي للقائد والمسؤولية فأكل مع جنوده وكان متواضعا يعمل على توفير احتياجاتهم ولا يلجأ للأعذار ولا ينتظر حلولاً من مكان آخر، فكر بوطنه والمصلحة العليا على ما سواها ولهذا ضحى بنفسه ولم يبالي وكان رمزاً وطنياً لا يُنسى.

 

خدمة المجتمع بعيداً عن البزة العسكرية

 

ومثلما أسلفنا آنفاً، فلم يكن الشدادي قائداً عسكرياً فحسب، بل قائداً بكل معنى الكلمة من معنى، وهو يكاد يجسد الشخصية التي يجد الناس ضالتهم فيها، وهنا مثال على هذا الكلام، ويتعلق بالأدوار الاجتماعية والإنسانية التي اضطلع بها وذلك بتأسيس جمعية النهضة السكنية في عام 1995، التي خدمت عدداً من أبناء القوات المسلحة وذوي الدخل المحدود وساهمت في تأمين السكن لهم.

 

كان الشهيد يدرك جيداً أهمية التعليم في تقدم ونهضة المجتمعات فكيف بمجتمع مثل اليمن ومحافظة مثل مأرب عانت الحرمان من إنشاء المدارس لإبقاء أبنائه في دائرة الجهل والتخلف والصراعات، ولهذا فقد ساهم مع عدد من أبناء مديريته العبدية في تأسيس مؤسسة جسور الخير للتنمية في عام 2008، والتي نجحت في تنفيذ العديد من المشاريع بمجال التعليم والجانب الإنساني.

 

وبجانب هذه الأدوار فقد كان له إسهامات ملموسة في الإصلاح بين الناس وحل مشاكلهم بحكم الاحترام والمكانة الذي يحظى بها في أوساط المجتمع والذين كانوا ينظرون إليه كقائد من قبل تعيينه قائداً للمنطقة العسكرية الثالثة والتي كانت آخر منصب عسكري رسمي شغله.

 

ويمكن أن نختم بأن الشدادي لم يكن فرداً ينتهي دوره ودروسه برحيله، بل مدرسة وطنية في العسكرية اليمنية التي تحترم شرفها وقسمها العسكري وتنحاز للشعب وتضحي من أجله، وهذه القيم والبصمات أصبحت متداولة ومسكونة في أذهان اليمنيين الذين يعرفونه ويقدرونه حق التقدير.

 

 

اقرأ ايضاً

 الشهيد ..عبدالله جرادان..فارس البندقية والقلم.

الشهيد ..عبدالله جرادان..فارس البندقية والقلم.

فارس القلم والبندقية أوام أونلاين _ وليد الراجحي الشيخ الأستاذ والمربي القائد الإنسان والإداري الناجح ، والبطل المقدام كل تلك الألقاب وأكثر تسبق إسم الشهيد عبدالله بن حمد جرادان.س…

 مأرب :أجواء عيدية ممزوجة بالألفة والمحبة والنضال

مأرب :أجواء عيدية ممزوجة بالألفة والمحبة والنضال

أوام أونلاين _ تقرير خاص. للعيد نكهته الخاصة ، وفرحته العامرة في القلوب ، مهما كانت الظروف ،يحاول البعض ليعيش لحظته ولو بما يدور في خلده من ذكريات الماضي ،فيما تجسد براءة الطفولة …

 الحوثي يحتضن المعارضين السعوديين.. وسيلة ضغط أم تدشين لمهمة إقليمية بدلاً عن حزب الله؟

الحوثي يحتضن المعارضين السعوديين.. وسيلة ضغط أم تدشين لمهمة إقليمية بدلاً عن حزب الله؟

تهريب حزب الله معارضين سعوديين للحوثيين بصنعاء.تدريبات عسكرية حوثية لسعوديينتعيين معارض محافظا لنجران وايواء(شيخ الاسماعيلية في اليمن والسعودية).انشاء(حركة تحرير جزيرة العرب المسلح…