رغم مرور 58 عاما من عمر الثورة اليمنية المجيدة «26 سبتمبر 1962» وميلاد النظام الجمهوري، إلا أن شبح الإمامة عاود الظهور مجدداً في عاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء، وعاد معها الثلاثي الشهير (الجوع والفقر والمرض).
وكانت عدّة عوامل داخلية وأخرى خارجية، قد مكنت مليشيا الحوثي من اجتياح العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر2014، لتستولي بعدها على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتسخّر مقدّراتها في حروبها التوسّعية لاحتلال بقيّة المدن اليمنية، وتدفع بغالبية اليمنيين إلى شفا المجاعة بعد أن أفقدتهم مصادر دخلهم وحرمتهم من كافة الخدمات والمساعدات.
وللسنة السادسة على التوالي، يخوض أبناء اليمن معركة مستمرّة مع المليشيا الحوثية، التي تعد امتداداً فكرياً لنظام حكم الإمامة، للدفاع مكتسبات ثورة «26 سبتمبر» التي جاءت كمثرة لعقود من النضال والتضحيات التي جسّدها اليمنيّون للانعتاق من الاستعباد والاستبداد والتجهيل والعنصرية المقيتة، والانطلاق في فضاء الحرية والديموقراطية والمواطنة المتساوية.
أخطاء كارثية
ويقول الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي أحمد صالح العطعطي، في تصريح لـ"أوام أونلاين" إن "ثمة عوامل واقعية وموضوعية ساعدت التيار الإمامي السلالي العنصري في التغلغل بمؤسسات جمهورية الثورة واستطاع السيطرة على مفاصل الدولة وتوجيهها لمساعدته في إسقاطها بيد التنظيم الإمامي الجديد المتمثل في الحوثيين، بقوة السلاح".
وأوّل هذه العوامل، وفقاً للباحث العطعطي، هي "حصر الإمامة في أسرة صغيرة متمثلة في بيت حميدالدين، والتي كانت امتدادا للعائلة القاسمية التي بدأت من عام ١٠٠٦هجرية على يد القاسم بن محمد بن علي رشيد، وتفرغ منها فروع كثيرة منهم بيت حميد الدين". لافتاً إلى أن عدم "تجريم الأنشطة والتحركات والتكتلات ذات الطابع السلالي خارج دائرة أسرة حميد الدين التي لا يصل عمرها 100 عام، فتح المجال واسعًا أمام السلالة للعمل خفية لإعادة إنتاج نفسها من جميع العوائل بعيدًا عن الشكوك وهو ما تفاجأ به اليمنيين في ٢٠١٤م بانقلاب إمامي قاده الحوثي".
ولفت العطعطي، وهو أيضاً باحث في علم الاجتماع السياسي، إلى أن الأوروبيين جرّموا أي نشاط ذو طابع نازي وألزموا الألمان بتنفيذ هذه الرقابة حتى لا تعود النازية من جديد بأي شكل من الأشكال، بينما في اليمن تم الترخيص لأحزاب سلالية إمامية مثل حزب الحق واتحاد القوى الشعبية، وقامت سلطات الدولة المعوّل عليها حماية النظام الجمهوري بدعم مختلف الأنشطة الثقافية الإمامية فيما تحالفت أحزاب جمهورية ثورية منذ عام ١٩٩١م مع هذين الحزبين السلاليين".
وتمثّل العامل الثاني الذي مكّن الإماميين من مفاصل الدولة، بحسب العطعطي، في عدم وجود البرامج النوعية التي من شأنها تأهيل شباب اليمن وتطوير خبراتهم المهنية والإدارية بما يتساوى على الأقل مع القدرات التي يمتلكها أبناء العائلات السلالية التي كانت تحتكر عناصر القوة والتمكين والتأهيل للإدارة العامة قبل الثورة.
وقال إنه كان يجب "فرض عزل لمدة 25 سنه وهي مدة مستويات الدراسة حتى التخرج الجامعي لجيل كامل بعد انتصار الثورة، حتى تتاح الفرصة أمام بقية أفراد الشعب وتتكافأ مع التأهيل الذي احتكرته السلالة قبل الثورة". لافتاً إلى أن عدم حصول هذا الأمر هو "ما مكن السلاليين من استمرار احتكار المواقع والمفاصل المهمة في الدولة والأحزاب والتنظيمات المختلفة، ومكنهم من تمثيل حكومات الجمهورية تجاه الخارج من خلال الجهاز الفني والإداري لمؤسسات الدولة وحشد الدعم لمشروعهم وتراكم الخبرة لدى عناصرهم".
فيما تمثّل العامل الثالث، وفقًا لـ"العطعطي"، في "ضعف نشر وتعميق ثقافة ثورة سبتمبر في أوساط الشعب من قبل الأحزاب والمكونات السياسية التي كان يفترض أن تنطلق تحت سقف الثورة لأنها نشأت بفضلها، غير أنها (الأحزاب) "مثلت امتدادات لأفكار وتنظيمات خارجية اهتمت بتعميقها والترويج لها بدلاً عن ثقافة سبتمبر العظيمة، وعلى المستوى الرسمي، صار احتفال السلطة بذكرى الثورة "مسألة فنية روتينية"، والكثير من هذه الفعاليات كان السلاليون أنفسهم هم يديرونها ويحولونها إلى "إشادة بالحاكم بدلًا عن الثورة".
وقال إن هذا هو "ما أضعف أهمية وعظمة ثورة سبتمبر في الوقت الذي كان الإماميون يتوسعون بشكل سريع لإنشاء الكثير من مراكز التعبئة الفكرية السلالية الطائفية التي قامت الثورة على هدمها وبناء الروح الثقافة الوطنية الجامعة".
وأشار إلى دور الرئيس السابق في تسهيل عودة الإمامة كجزء من انتقامه ممن ثاروا ضده في 2011 وفضّل المقامرة "بدعم التنظيم العسكري الإمامي ويفضل إسقاط مؤسسات الدولة بيده بدلاً من أن يتشارك فيها مع قوى تغيير فبراير ٢٠١١م في تقدير خاطئ لإمكانية التحام القوى السلالية بالتنظيم الحوثي هو الأكثر خطأ والذي دفع ثمنه الجميع وفي مقدمتهم صالح نفسه".
ويضيف الباحث العطعطي، في حديثه لـ"أوام أونلاين" أن "نجاح الخميني في الانقلاب على النظام في إيران بعث الأمل لدى الطامحين في السلالة بتكرار تجربته في إسقاط النظام الجمهوري في اليمن من خلال الحصول على دعم دولة إقليمية كبيرة وهو ما حصل بالفعل إذ نجحت إيران بتكوين تنظيم عسكري امامي وتزويده بكافة أشكال الدعم اللوجستي والسياسي والتدريب حتى نجحوا في تكرار نفس التجربة الإيرانية بنفس الأدوات التي صنعتها إيران".
مضيفاً بأن السلاليين المسيطرين على "مؤسسات الدولة والنخب السياسية والاجتماعية والعسكرية سهّلوا للتنظيم الإمامي سرعة إسقاط نظام ثورة 26 سبتمبر بأقل تكلفة وسهولة ويسر".
تطابق
ومن جانبه، يقول مدير المركز الإعلامي للقوات المسلحة العقيد هيثم منشلين، إن المواطن العادي وهو يعايش ما تمارسه "مليشيا الحوثي من جرائم يومية بحق اليمنيين يدرك حجم المعاناة التي عاشها أجدادنا تحت وطأة حكم الأئمة وما قاسوه من ظلم وجهل وجوع ومرض، وهي ذات الجرائم والمعاناة التي تتشابه كثيراً حد التطابق بين الأمس واليوم".
وأضاف منشلين، في حديثه لـ"أوام أونلاين" أن الضرورة الحتمية لقيام ثورة «26 سبتمبر» لتغيير واقع اليمنيين البائس في ذلك التاريخ، هي الضرورة الحتمية التي تستدعي التخلص من المليشيا الحوثية التي سامت أبناء الشعب اليمني صنوف العذاب". مستعرضاً الجرائم الوحشية التي تمارسها ضد اليمنيين بمختلف أجناسهم وفئاتهم العمرية انطلاقاً من حقد تاريخي دفين ونزعة عنصرية مقيتة تسعى لإذلال اليمنيين واستعبادهم وتحويلهم إلى دمىً تقوم على خدمتهم ورعايتهم.
أهميّة سبتمبر
ووفقاً للعقيد هيثم منشلين، فإن الانتهاكات والجرائم التي تمارسها مليشيا الحوثي ضد أبناء الشعب اليمني ومصادرة حقهم في العيش بحرية وكرامة عزّزت لديهم الشعور بأهميّة ما أنجزته ثورة آبائهم وأجدادهم ثورة الـ26 من سبتمبر، ودفعتهم للانخراط في مختلف جبهات القتال للدفاع عن الثورة والمكتسبات الوطنية".
وأضاف بأن "الشعب اليمني تواق إلى الحرية والعدل والمواطنة المتساوية ويتطلع بشغف إلى الأمن والاستقرار والعيش الكريم والرفاهية وقد برهن على ذلك اجماع اليمنيين على مخرجات الحوار الوطني الشامل، وهو الأمر الذي لم يروق للمليشيا ومشروعها الذي لا يمكن أن يقبله اليمنيون ولذلك لجأت فوراً إلى السلاح والشروع في الانقلاب على الشرعية الدستورية والإجماع الوطني وإدخال البلاد في حروب مدمّرة سعياً لإعادة نظام الإمامة الكهنوتي".
جمهورية للأبد
وأكد هيثم منشلين، في حديثه لـ"أوام أونلاين" أن "ثورة 26 سبتمبر هي منهاج حياة لليمنيين جميعاً وهي هوية شعب عظيم لا يمكنه التنازل عنها أو المساومة في أي جزئية منها ولا يمكنه التفريط فيها مهما كانت حجم التضحيات".
وقال: "ها هي دماء أحرار اليمن اليوم تقدم في سبتمبر 2020 لتحمي أهداف الثورة الأم التي خطّها الأجداد بدمائهم الزكية في سبتمبر الخالد عام 1962، وستظل مكتسبات الثورة ومنجزاتها العظيمة وأهدافها السامية هي ذات الأهداف التي ينشدها كل يمني وسندافع عنها ببسالة ما حيينا ونوصي بذلك أبنائنا من بعدنا".
واختتم حديثه بالتأكيد على أن قوات الجيش الوطني ومن ورائها أبناء اليمن الأحرار من المقاومة الشعبية ورجال القبائل يعملون حالياً على اجتثاث مشروع الإمامة ودفنه إلى الأبد، مؤكداً على أن الثغرات التي تسلل من خلالها كهنة السلالة إلى النظام الجمهوري ستغلق وسيتم تحصين الجمهورية لمنع أي تهديد مماثل في المستقبل".