في سبتمبر الماضي (2019)، وجّهت مليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، المدارس الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرتها بإلزام الطلبة بترديد «قسم الولاية» في طابور الصباح بدلاً من النشيد الوطني الرسمي للجمهورية اليمنية.
وحينها، اعتبرت الحكومة الشرعية على لسان وزير التربية والتعليم عبدالله لملس، هذا الإجراء دليل على أن مليشيا الحوثي وضعت النظام الجمهوري خلف ظهرها، وشرعت عمليّاً بتأسيس نظام الإمامة وولاية الفقيه في أرض اليمن.
سقوط القناع
ويقول فهمي الزبيري، مدير عام مكتب حقوق الانسان بأمانة العاصمة، إن محاولة المليشيات الحوثية إنكار مساعيها لإعادة نظام حكم الإمامة، مسرحية هزلية لم تعد تنطلي على أحد، فكل تحركاتها منذ انقلابها وحتى الآن تصب ضمن مخططها الخبيث وسعيها الحثيث لطمس الهويّة اليمنية وكل ما له علاقة بالثورة والنظام الجمهوري.
ويضيف الزبيري، في تصريح لـ"أوام أونلاين" أنه "منذ اليوم الأول للانقلاب الحوثي المشؤوم في 21 سبتمبر 2014م والمليشيات الحوثية تسعى بكل جهدها لتجريف الهوية اليمنية وطمس كل ما يتعلق بهويّة اليمن الجمهورية والتاريخ النضالي لليمنيين.
ويلفت الزبيري، إلى أن حقد المليشيات الحوثية الدفين على الجمهورية تجسّد في تعمّدها اجتياح العاصمة صنعاء في (21 سبتمبر) أي في الشهر ذاته الذي قامت فيه ثورة سبتمبر الخالدة (26 سبتمبر 1962)، لتتخذ لاحقاً من تاريخ احتلالها صنعاء بمساندة نظام الملالي في طهران، عيداً سنوياً تقيم فيه عشرات الاحتفالات بأموال الدولة والقطاع الخاص، بينما تمنع اليمنيين في تلك المناطق من الاحتفال بذكرى ثورتهم العظيمة (26 سبتمبر). لافتاً إلى أن هذه الجزئية فقط كانت كفيلة بإسقاط قناع المليشيات الحوثية وفضح محاولتها اليائسة لاستعادة نظام الكهنوت وهي تلبس كذباً رداء الجمهورية.
هرولة مبكّرة
وفي السياق ذاته، تستذكر الناشطة لطيفة عمر، حدثاً غريباً طالما استوقفها، وهو خبر وصول «محمد عبدالله حميد الدين» (أحد أحفاد الإمام يحيى حميد الدين) إلى مطار صنعاء في 24 أكتوبر 2014، أي بعد أقل من شهر على اجتياح مليشيات الحوثي للعاصمة صنعاء، وبعد عقود من إقامته في السعودية التي منحته وأفراد أسرته جنسيتها مقابل مغادرتهم اليمن عقب الثورة التي أطاحت بنظام حكم أسرته الذي عرف بثلاثي الجهل والجوع والمرض.
وتضيف لطيفة، في حديثها لـ"أوام أونلاين" أن "الأغرب من الاستقبال الحار الذي رتبته مليشيا الحوثي لحفيد إمام الكهنوت، هو تصريح الأخير المستفز فور وصوله مطار صنعاء، قادماً من السعودية، ووصفه الانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية بأنه "ثورة الشعب"، وقوله إن هذا الانقلاب المموّل إيرانياً "يبشر ببداية مرحلة مشرقة لليمن".
وتؤكّد أن من أسباب العودة السريعة لأحد أحفاد أئمة الكهنوت إلى اليمن، فور الانقلاب الحوثي هو جزء من مخطط إعادة نظام حكم الإمامة الذي تموّله وتشرف عليه إيران بما يمكن الجميع من تنفيذ المشروع العنصري العابر للحدود. لافتة إلى أن ذلك ما كشفته حينها قيادات حوثية، ومنها ما أكده القيادي الحوثي «علي البخيتي» الذي كان حينها عضواً في «المكتب السياسي» للمليشيات، حيث قال بصفحته على "الفيس بوك" تعليقاً على وصول حميد الدين، إن من أهداف إنقلابهم هو إنصاف "أسرة بيت حميد الدين وأسر أخرى تعرضت للمظالم عقب ثورة الشعب المجيد 26 سبتمبر 1962".
ظهور الطاغية
ومطلع العام الجاري 2020، تفاجأ اليمنيّون بانتشار ملصقات وصور لـ«الإمام أحمد حميد الدين» معروضة للبيع في البسطات والأكشاك بأسواق "باب اليمن" في صنعاء، والذي عرف بطغيانه وظلمه لليمنيين عقب مصرع والده "يحيى حميد الدين" برصاص الأحرار في صورة الدستور عام 1948.
وتقول مصادر مطّلعة إن ذلك أتى بأوامر من مليشيا الحوثي التي تعد امتداداً سلالياً وفكرياً لنظام الإمامة الكهنوتي الذي أطاح به اليمنيون في ثورة 26 سبتمبر، وأسسوا نظاماً جمهورياً يقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية.
وتضيف المصادر بأن ذلك تزامن مع قيام متطرّفين من الأسر الهاشمية برفع صور رموز نظام الإمامة في أحضانهم والتجوّل بها في شوارع صنعاء القديمة، إمعاناً في استفزاز اليمنيين، وتلاها إنشاء حسابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتهم يحيى حميد الدين الطبطبائي (مؤسس المملكة المتوكلية الزيدية في اليمن)، والذين ارتبط حكمهم بالفساد والاستبداد وعاشت اليمنيّين خلاله ثالوث (الجهل والفقر والمرض).
كما تزامن ذلك، وفقاً للمصادر، مع قيام المليشيات الحوثية باقتحام مقر منظمة «مناضلي الثورة اليمنية» بصنعاء، مطلع مارس 2020، ونهب محتوياته من سجلات ومخطوطات ووثائق تاريخية وبطولية وكل ما يتعلق بالثوار والمناضلين.
وسبقها مداهمة منزل اللواء المتقاعد أحمد قرحش، عضو تنظيم الضباط الأحرار وأحد رموز ثورة 26 سبتمبر، في أبريل 2018، وأقدمت على اختطافه قبل أن يضطر إلى مغادرة منزله بصنعاء ليعيش بقيّة حياته في المعاناة النزوح والشتات.
عداء واسع ومخطط فاشل
وخلال السنوات الخمس الماضية، توّسّعت دائرة العداء السلالي للنظام الجمهوري، لتطال كل ما له علاقة بالثورة ورموزها ومنجزاتها سواء في مجالات التعليم والصحة والكهرباء وغيرها من الخدمات أو في جانب الحقوق والحريات العامة والخاصة.
وفي هذا الجانب، يقول فهمي الزبيري، إن الإماميين الجدد مارسوا عملية تجريف واسعة لطمس هويّة اليمن الجمهورية بدءً من المناهج الدراسية بما يخدم أجنداتهم الطائفية وتمجيد السلالة ومرورًا بتغيير أسماء الشوارع والمؤسسات الحكومية التي تحمل أسماء رموز الثورة، وصولاً إلى إخفاء الآثار المادية والمعنوية للرموز الوطنية من المتاحف، والآثار التي تذكر الشعب اليمني بالوضع البائس الذي عاشه أجدادهم في حقبة حكم الإمامة.
مشيراً إلى أن جرائم المليشيات الحوثية في هذا الجانب لا يمكن حصرها، إلى أن هذا بلا شك يأتي في سياق العداء الفج لمكتسبات الثورة اليمنية، وضمن مساعي الإماميين الجدد لتجهيل اليمنيين بتاريخهم وبما يجري حولهم وبالأخص المرأة اليمنية التي عانت الويلات في ظل نظام حكم الإمامة.
واختتم الزبيري، حديثه لـ"أوام أونلاين" بالتأكيد على أنه رغم المحاولات الحوثية الحثيثة لطمس معالم الثورة والجمهورية والتأسيس على أنقاضها للهويّة الإيرانية بشتّى الطرق والوسائل على مدى نصف عقد من الانقلاب، إلا أنها فشلت أمام وعي وإدراك اليمنيين المبكّر بهذا المخطط الخبيث، وتزاد مواقفهم الوطنية صلابة مع استمرار الانتهاكات الحوثية ضدّهم بهدف تطويعهم لمعتقداتها وأفكارها الطائفية ومشرعها العنصري العابر للحدود، وتزداد عزيمتهم لمواجهة العدو التاريخي لليمن واليمنيين ولمنجزات الثورة اليمنية المباركة.