أوام أونلاين - خاص:
حين وقعت كارثة السيول والأمطار الأخيرة بمحافظة مأرب، تحوّلت السلطة المحلية إلى ما يُشبه خلية إدارة الأزمة للتعامل مع التداعيات والخسائر والتي كانت الأكبر من بين مختلف المحافظات التي شهدت أمطاراً وسيولاً، وهذا واجبها لكنها تحملب عبء جهات أخرى مثل الحكومة التي اكتفت بالاتصالات والتوجيهات لمن يتواجدون في الواقع ويعملون على تجاوز هذا التحدي.
تحمّلت قيادة المحافظة ممثلة باللواء سلطان بن علي العرادة، المسؤولية وشكلت لجاناً محلية في كل مديرية لمواجهة هذه الكارثة الطبيعية غير المسبوقة منذ سنوات طويلة، وأدارتها بكل جدية وفاعلية ونشاط لا يهدأ.
وتشير التقديرات الرسمية إلى وفاة وإصابة العشرات من النازحين والمواطنين وجرف مساحات واسعة للأراضي الزراعية في عدة مديريات علاوة على جرف آبار المياه وتضرر الطرقات والعبّارات ومخميات النازحين ومنازل بعض المواطنين القريبة من مجاري السيول، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 17 ألف بسبب تضرر مساكنهم وخيامهم وعششهم في المحافظة التي تضم أكثر من 140 مخيماً للنازحين.
السيل جرف مزارع البرتقال في وادي عبيده
التواجد في الميدان واستنفار المسؤولين
لم يكتفِ المحافظ بعقد الاجتماعات في المكاتب وإصدار التوجيهات للجهات المعنية للقيام بما يقتضيه الواقع، وإنما كان ينزل بنفسه للمناطق المتضررة للاطلاع على الأضرار والاستماع للمواطنين وما يحتاجون، انطلاقاً من واجبه الدستوري وما يتطلبه من حضور على الأرض والقرب من الناس وتجسيد المسؤول القدوة الذي يتبع قوله فعله.
محافظ مأرب خلال تفقده أعمال شق الطرق
استنفر العرادة مسؤولي السلطة المحلية من وكلاء ومدراء عموم ومسؤولين محليين، وشكّل في الرابع من أغسطس الجاري في الأيام الأولى للكارثة لجانا فرعية عن لجنة الطوارئ بالمحافظة في كل المديريات، كما شكّل لجنتين بشكل عاجل في مديريتي صرواح ومأرب الوادي كونهما الأكثر تضررا بحكم فيضان بحيرة سد مأرب وتواجد الكثير من النازحين بالقرب منها.
وبمتابعة يومية منه وبزيارات ميدانية للمسؤولين المعنيين، سارت الأمور على هذا النحو طوال أيام سقوط الأمطار وتدفق السيول للسد حتى فيضانه وما نجم عنه من أضرار، وكان مؤشر التقييم للمحافظ كما للمواطن والمراقب هو الفعل على الأرض وهذا الذي ساد، حيث تقاسم الميدان والمكتب دوام المسؤول وتحوّلت المناطق المتضررة إلى ورش عمل يومية لإصلاح الطرقات وشق أخرى لإنقاذ المحاصرين بالسيول جوار السد ونقل النازحين المتضررين إلى أماكن آمنة ومساعدتهم بالغذاء والمأوى والمياه والكهرباء.
ألزم المحافظ مدراء العموم في مختلف مديريات المحافظة متابعة سير حركة السيول وتنبيه المواطنين وإغاثة المتضررين، وتفقد الطرقات العامة والفرعية والقيام بإصلاحها وردمها على وجه السرعة، وقدم كل ما يحتاجون للقيام بمهامهم.
يقول المهندس عبدالودود المذحجي، مدير مكتب الأشغال العامة، إن المحافظ وجه المكتب منذ البداية بتكثيف جهوده وبذل أقصى الطاقات لإصلاح الطرق المتضررة وفتح ممرات آمنة للعالقين والمناطق التي حاصرتها السيول قرب سد مأرب.
وأضاف في تصريحات لـ"أوام أونلاين" أن العديد من الطرق الترابية والأسفلتية تضررت بمستويات متفاوتة جراء السيول والأمطار ما تطلب صيانة الطرق المتضررة وشق أخرى مثل طريق جبل البلق إلى منطقة الروضة المحاصرة قرب السد بطول خمسة كيلو مترات على حساب السلطة المحلية بهدف تمكين العالقين من الدخول والخروج وتوفير احتياجاتهم.
طريق ترابي تم شقه من فوق جبل البلق لإنقاذ المحاصرين بقرية الروضة جوار السد
مع استمرار هطول الأمطار وتدفق السيول بكميات غير مسبوقة من المرتفعات الجبلية على السد وهو ما أدى إلى فيضانه من منساح حدير جان لأول مرة منذ بناء السد الجديد عام 1986، ظل السد حديث الناس في المحافظة وخارجها مع كون الحدث غير مسبوق ولجوء بعض المغرضين لتخويف المواطنين من إمكانية تهدمه.
مياه السد تغمر عشش النازحين في قرية الصوابين
وعلى الرغم من تطمينات السلطة المحلية بأن السد آمن وليس هناك خطر عليه، إلا أن المخاوف لم تهدأ مع النشر اليومي لصور بحيرة السد وهي ممتلئة بالمياه وفيضانها من مناسحها الطبيعية إلى الصحراء في منظر غير مألوف، مع ما رافق ذلك من جرف للأراضي الزراعية وممتلكات النازحين وتضرر الطرقات.
هذا الوضع دفع المحافظ يوم 31 يوليو الماضي، لزيارة السد برفقة مديره المهندس أحمد العريفي، ومن هناك بعث برسالة تطمين إلى كافة المواطنين قائلاً "اطلعنا خلال هذه الزيارة ومن الواقع على وضع السد، حيث أكد لنا المهندس الذي رافق عمليات إنشائه وتشغيله منذ لحظاته الأولى والمسؤول الفني عنه، والأكثر خبرة علمية وعملية بالسد وجوانبه الهندسية والفنية، بأن السد آمن جدا".
محافظ مأرب مع مدير مشروع السد
ووجه يومها الجهات المختصة بتوفير كافة المتطلبات الخاصة بالصيانة حاليا وبصورة عاجلة وكلما احتاج إلى ذلك وبشكل دائم واعتبار عملية الصيانة للسد من أولويات اهتمامات السلطة المحلية وفي مقدمة المشاريع الاستراتيجية.
من جانبه، قال مدير السد لـ"أوام أونلاين" إن السد مصمم لمواجهة مثل هذه الحالات، أي استقبال كميات كبيرة من المياه ولديه مناسح طبيعية لتفريغها بجانب قناة التصريف الأساسية وأنه ليس هناك ما يدعو للخوف والقلق حتى لو كان الفيضان منه هو الأول منذ إنشائه قبل أكثر من ثلاثة عقود.
النازحون الأكثر تضرراً
تصدر النازحون قائمة الأكثر تضرراً من الأمطار والسيول كونهم من الفئات الأكثر ضعفاً، فالكثير من مساكنهم بسيطة إما خيام أو عشش أو كونتيرات وهؤلاء يتواجدون قرب السد من الجهتين وقد تضرروا بسببت تمدد مياه السد إلى مواقعهم وبعضهم كانوا قريبين من مجاري السيول، وهناك من تضرروا في مخيماتهم والتي تفوق 140 مخيماً أكبرها مخيم الجُفينة جنوب المدينة والذي يسكن فيه أكثر من مائتي ألف شخص.
ففي وادي ذنه الشهير الذي يقع فيه السد القديم والجديد، تضرر النازحون من السيول الواصلة إلى السد أو امتداد عمقه الجغرافي إلى حيث نصبوا خيامهم ومبانيهم فيه، وهؤلاء وغيرهم تم تشكيل لجنة لزيارتهم وزيارة المتضررين من السيول في كل المديريات والمناطق المتضررة والاطلاع على الأضرار التي أصابتهم وتقييم احتياجاتهم الأولية وما يمكن تقديمه لهم.
مياه السد غمرت مساكن النازحين
الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بالمحافظة والتابعة مباشرة لرئاسة الوزراء، تتولى رعايتهم ومتابعة أحوالهم وتقوم بجهود كبيرة على الرغم من أنها بلا ميزانية من الحكومة وكل تمويل أنشطتها من السلطة المحلية التي تتحمل عبء الحكومة في قضية النازحين بالمحافظة، مع دعم محدود من بعض المنظمات.
يقول مديرها سيف مثنى في تصريحات لـ"أوام أونلاين" إن عدد النازحين في مأرب حوالي مليون و800 ألف شخص يتوزعون على أكثر من 140 مخيماً، وهذا يشكل لهم ضغطا كبيرا وعجزا في تغطية احتياجاتهم ولولا دعم السلطة المحلية لما كان بوسعهم التعامل مع هذا العدد الكبير.
يشعر سيف بخيبة الأمل من تقصير الحكومة تجاه الوحدة قائلاً:"خاطبناهم مراراً بشأن النازحين وأننا بلا ميزانية لكن دون جدوى. رئاسة الوحدة في الجمهورية تتابع من جهتها ولكنها تقول لنا دائما إنها بلا دعم حكومي ولا تستطيع تقديم أي شيء لفرعها بمأرب".
بالنسبة للمنظمات الأممية والدولية التي لديها فروع بالمحافظة، فهي بحسب المسؤول ذاته مقصرة بشكل كبير تجاه النازحين وضرب لنا مثلاً تكرر في عدة مناسبات وهو أنه عندما وقعت كاثة السيول تمت مخاطبتهم للقيام بمسؤولياتهم فكان ردهم أنهم لا يملكون مخزوناً طارئاً وهذا ما حدث في أبريل الماضي حين وقعت نفس الكارثة وإن بشكل أخف من الأخيرة.
لم تقم هذه المنظمات بما فيها المهتمة بالنازحين ببناء مخيمات مستدامة تتناسب ومناخ المحافظة شتاء وصيفا حتى عندما قدمت لها الوحدة التنفيذية مشروعا متكاملا بهذا الخصوص وبكلفة بسيطة، وكأنها تريد البقاء على وضع النازح بهذه الحالة كي يظل لافتة تحلب بها المانحين بينما لا يصله إلا الفتات.
في رد سيف على أبرز احتياجات النازحين، أجاب بأنها تكاد تكون ثابتة وهي خيام قوية مناسبة للظروف الحالية ومواد غذائية ومياه وصرف صحي، ومساعدات نقدية للذين ليس لديهم مصدر دخل من أي جهة كانت.
يكشف مدير وحدة النازحين بأن المنظمات لا تزال تتعامل مع مأرب وفق إحصائيات 2014 مع أن عدد السكان فيها يفوق مليونين ونصف واحتياجهم أكبر، وطالب بأن تكون مركزا إنسانيا مستقلا لا تابعا لمركز صنعاء الذي يتحكم به الحوثيون ويحددون حجم المساعدات.
في منساح حدير جان، وجدنا النازح علي محسن الجهمي من صرواح، والذي تحدث عن الأضرار التي لحقت بالنازحين الذين كانوا يقطنون تلك المنطقة، مشيراً إلى تضرر حوالي ألفي أسرة وهؤلاء يحتاجون لتوفير الاحتياجات الأساسية.
علي محسن الجهمي نازح من صرواح
يقول لـ"أوام أونلاين" إن حضور المنظمات الأممية والدولية يكاد يكون مخجلا ولا يشكل سوى أقل من خمسة في المائة، أما الحكومة فهي غائبة، مضيفاً أن السلطة المحلية هي التي تساعدهم وتوفر احتياجاتهم لكن ليس بصورة كاملة.
وكلام هذا النازح لم يكن انحيازا لسلطته المحلية بقدر ما هو تعبير عما يلمسه، فالمحافظ وجه الجهات بسرعة معالجة أوضاع المتضررين من السيول وتقديم العون والمساندة العاجلة لهم، وتأمين الخدمات الأساسية لهم من مياه وكهرباء وخدمات علاجية وطبية، وتوفير الاحتياجات والتكاليف اللازمة على نفقة السلطة المحلية.
البنية التحتية
البنية التحتية مثل الطرقات والعبّارات ومشاريع المياه والكهرباء والخدمات العامة الأخرى تضررت هي الأخرى، علاوة على المباني الحكومية مثل مبنى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ومحطة كهرباء مدينة مأرب، وانهيار أحد المولدات الكهربائية بقدرة 5 ميغا وات الذي يغذي منطقتي الزور وذنة بمديرية صرواح بعد أن طمرته السيول، وقد وجه المحافظ حينها بتوفير البدائل بشكل عاجل ، ومعالجة الأضرار والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لعمل المصدات المائية وحماية محطة الكهرباء والشبكات بكل الطرق والوسائل الممكنة.
وإزاء هذا الواقع، تم إقرار معالجات آنية وأخرى استراتيجية وتشارك مكتب الأشغال العامة مع صندوق النظافة والتحسين حماية الكباري وعبّارات السيول فيها وصيانتها وعمل مصدات ترابية للسيول خاصة في منطقة الفلج حيث كان السيل يهدد بقطع الطريق الدولي الذي يربط المحافظة بمحافظة حضرموت من جهة وبمحافظتي البيضاء وشبوة من جهة أخرى.
جانب من المصدات التي تم عملها لحماية الطريق الدولي قرب نقطة الفلج
وشملت تلك الأعمال حماية الكباري في الخطوط من الانهيار بسبب ضغط تدفق مياه السد وسيول الأمطار والإضرار بالأسفلت، وحماية المسافرين، فضلاً عن إصلاح الطرقات في المديريات المتضررة، وترميم عبارات المياه فيها حتى لا تُعزل المديريات بفعل السيول، وإجراء الإصلاحات اللازمة للأضرار التي تعرضت لها بعض المشاريع المهمة والمؤسسات الحكومية.
وقال مشرف عمل المصدات التابع لصندوق النظافة بنقطة الفلج، إنه منذ أول أيام عيد الأضحى المبارك والعمل لم يتوقف في وضع المصدات الترابية للطريق الدولي لمنع السيل من الاقتراب منه، مشيراً في تصريحات لـ"أوام أونلاين" إلى أن هذا التحرك السريع والواسع ساهم في الحفاظ على الطريق وحركة المسافرين وحال دون عزل المحافظات عن بعضها.
وفي هذا الجانب، طُلب من مدراء عموم المديريات بالمحافظة واللجان الفرعية للطوارئ رفع الجاهزية ومتابعة أضرار السيول والأمطار في جميع المناطق ومعالجتها أولاً بأول، بما في ذلك التفقد المستمر للخطوط والطرقات العامة والفرعية والقيام بإصلاحها وردمها على وجه السرعة.
وقد أسهمت الخطوات التي اتخذت منذ وقت مبكر، في تجنيب مديريتي الوادي وصرواح الكثير من المخاطر التي كانت ستترتب على تدفق السيول نحو قراهم ومناطقهم.
ولمواجهة الأعمال الطارئة، وجه المحافظ بتعزيز حساب السلطات المحلية للمديريات بمبلغ مائة مليون ريال لكل مديرية من حساب التنمية، إضافة إلى المخصص المعتمد ضمن موازنتها السنوية وفقاً لموازنة 2014م.
وكُلف كل مديرمديرية بإعداد تقرير يتضمن الاحتياجات وتقييم الخسائر لدعم المتضررين والمحتاجين بما في ذلك المزارعين الذين تضرروا كثيرا في عدة مديريات وأولها الوادي.