خالد الفرح
مثّل قيام الجمهورية عام 1962م، حدثاً فارقاً في التاريخ المذهبي والسياسي لليمن فقد كانت ثورة 26سبتمبر أول محاولة منذ القرن التاسع للتخلص من الحالة السياسية أو المذهبية التي فرضتها الإمامة في البلاد أو جزء منها ولقد ظن أبناء الشعب أن نظرية البطنين انتهت بقيام الجمهورية غير أن ذلك لم يكن صحيحاً.
فالحوادث اللاحقة أثبتت أن الزيدية نظرية سياسية لم تنته وإنما دخلت في حالة من الكمون والمقاومة والتقيه السياسية فيما ظلت تنتظر الفرصة المناسبة لتسيطر على الحكم وقد واتتها هذه الفرصة في نهاية 2014م.
وتدل كل المؤشرات أن الحركة الحوثية تأثرت بالتجربة الإيرانية (ولاية الفقيه)ثم اضافة إليها صيغة تقوم على تسمية الأدبيات الحوثية (العَلَم) وهو شخص من آل البيت كما يزعمون يمثل للناس المرجعية الدينية والسياسية دون أن يعلن نفسه إماماً وهي مكانة تشبه مكانة مرشد الثورة في إيران.
وغني عن البيان أن حركة الحوثي ليست نزقاً عابراً وأن ما تشهده البلاد من أحداث ليس إلا بمثابة إشهاراً أن ثمة حكماً سلالياً يريد الاستمرار في فرض نفسه على رقاب اليمنيين وبقوة السلاح ونظرية البطنيين لا تهتم بشكل الحكم (ملكي أو جمهوري) وذلك لأنها قالب فكري لأهداف سياسية إنها نظرية تتسم بطابع سلالي منطوِ على نفسه يعمد إلى إسقاط الهوية الحضارية لعموم الشعب ويستبدلها بالهوية المذهبية التي توصل لحق السلالة في الحكم ثم تعزل الشعب عن التفاعل مع الجوار والإقليم بحجة أن هذا التفاعل يمثل تهديد للدين والهوية وذلك ما دأبت عليه الإمامة في مرحلة ما قبل ثورة 26سبتمبر ويطبقه الحوثيون في الوقت الراهن. وإلى ذلك أشار أبو الأحرار الزبيري بقوله :
وقال لهم مصرُ أُمُّ الفجور
تسيل الخمور بأبوابها
وبغدادُ عاصمة الملحدين
ومكةُ نهبٌ لسلابها
وما الأرض إلا لنا وحدنا
ولكنهم غالطونا بها
الحوثيون وإشكالية الهوية
في مرحلة ما بعد قيام ثورة 26سبتمبر الخالدة خاطب الشاعر عبدالله حمران الهاشمية السياسية بقوله:
وهبناكم الحكمَ إذ كنتمُ
تهيمون في بقع خاليةْ
وقلنا يمانون أهل لنا
ولا عاشت القيم الباليةْ
وصرنا بكم في المهمات
جنداً وصرتم بنا قمماً عالية
مزجنا خلال السنين الطوال
دمانا بكم حرةً غالية
ولكنكم رغم مر السنين
بقيتم على أرضنا جالية
لقد حوّل الحوثيون الهاشمية إلى هوية عابرة للحدود تزرع التعصب في من ينتمون إليها وبالتالي فهذه الهوية عابرة للزمان والمكان وترفض الانصهار ضمن الهوية الوطنية الجامعة وتعيش في أوساط المجتمع كما لو كانت جالية وما أصدق الشاعر البردوني وهو يقول:
لماذا استشاطَ زحام الرَّمادِ؟
تذَكَّر أعراقَه فاضطربْ
لأن (أبا لهبٍ) لم يمُتْ
وكلُّ الذي مات ضوءُ اللَّهبْ
فقام الدخان مكان الضياء
له ألف رأسٍ وألفا ذَنَبْ
دولة استيلاء وجباية
من يقرأ تاريخ الدول الإمامية التي حكمت اليمن سيجد أن الإماميين عندما يكونوا خارج السلطة لا يدخرون جهداً في التخطيط للوصول إلى الحكم ولكنهم بعد أن يصلوا إلى الحكم يفشلون في إدارته حتى وصفهم عادل الأحمدي في (كتاب الزهر والحجر) بأنهم مشاريع استيلاء وليسوا مشاريع حكم وهم كذلك دوله جبايه يفرضون المكوس والضرائب الجائرة التي اثقلت كاهل المواطن اليمني حتى اضطر للهجرة إلى خارج الوطن لقد بلغ عدد المهاجرين إلى خارج الوطن أيام حكم الإمام يحيى أكثر من مليون ومئتين ألف علماً بأن تعداد الشعب آنذاك لا يزيد عن خمسة مليون نسمة ومع سبق الإصرار فإن جميع الأئمة الذين حكموا اليمن قد عملوا على سحق الذات اليمنية وطمس تراثها الحضاري.
ولقد أشار المؤرخ عبدالله عبدالوهاب عبدالوهاب الشماحي في كتابه (اليمن الانسان والحضارة ) إلى أن إبراهيم الجزار هدم سد الخانق في صعدة بل وامتدت يده إلى كل أثر حِمْيري وجده في تلك المنطقة كذلك يذكر المؤرخين أن الإمام يحيى طمس أثار قصر ناعط في همدان وعبث جنوده بأثار الدولة الرسولية في تعز ولقد قال عالم الآثار المصري الدكتور أحمد فخري الذي زار اليمن في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي قال وهو يتحدث عن النقوش المسندية في محافظة مأرب (ما هممت أن أقتل رجل في حياتي سوى أحمد الكحلاني عامل الإمام في مأرب الذي خرب أكثر من خمسة عشر أثر حميري بحجة أنها من الشركيات.
*عقيد في الجيش الوطني وباحث في التاريخ اليمني
*المقال خاص بموقع "أوام أونلاين"