وقلنا الخرف با ياتي بخيره وبا ينكش طهوب النو تنكيش

وقلنا الخرف با ياتي بخيره وبا ينكش طهوب النو تنكيش
متعب بازياد
  • 14 يونيو ,2020 08:32 م

د. متعب بازياد

قٌبيل إعلان الوحدة بأشهر كان قد سٌمح بتنقل المسافرين والبضائع بين الشطرين، فكان تدفق البضائع من الشمال والمسافرين من الجنوب هو المشهد الأبرز لتك الشهور القليلة. الحضارم بما امتلكوا من تحويلات المغتربين وساعدهم ارتفاع صرف العملة الاجنبية، أقبلوا على شراء السيارات والمعدات وغيرها من صنعاء، وربما كانت الإعفاءات الجمركية هناك سببا لرخص البضائع كما يعود ذلك أيضاً، لحرية التجارة والمنافسة والنشاط الكبير للقطاع الخاص بل إن كثيراً منهم -بادية حضرموت وشبوة خاصة- قد انخرطوا في قطاع استصلاح الأراضي الزراعية بالشمال من مدة طويلة واستحوذوا على نسبة كبيرة من حصة الخدمات في هذا القطاع.

 لقد انتقل للعاصمة صنعاء خلال السنوات الأولى لعهد الوحدة، كثير من الحضارم طلاباً بالجامعات والمعاهد أو رجال أعمال واستقروا بها، واختلطوا بالوسط التجاري والعلمي، على عكس القادمين من محافظات الجنوب الغربية، الذين كان معظمهم موظفي دولة أو ضباطا وجنودا يتم ترتيب وضعهم ضمن حركة تنقلات الوحدات العسكرية وتموضعها.

 لم يكن لدى الحضارم أي ثار سياسي أو تاريخ حديث من الصراع العسكري مع صنعاء، عكس المناطق الغربية من الجنوب التي كانت على تماس حدودي في المناطق الوسطى، وعاش سكانها حالة حرب مستمرة طيلة عشر سنوات تقريبا فيما عُرف بحرب الجبهة الوطنية.

المجتمع الحضرمي -في الداخل وبلاد الاغتراب- في تلك المرحلة -90-94م- كان في الظل او الهامش مما يدور في مسرح السياسة، فالذي كان يشغل عقول الساسة بشكل أكبر هو ترتيب وضع الحزبين الحاكمين وقياداتهم وسباق الوظائف والترقيات العسكرية وترتيب وضع آلاف متضرري النزاعات البينية، وبناء تحالفات جديدة. كان حديثهم -الحضارم- في الغالب حول الاستثمار وفرص العمل الجديدة في حضرموت أو في اليمن بشكل عام، كيف يتم استثمار عائدات المغتربين وتحويلاتهم في ظل الانفتاح الاقتصادي، فتح بعضهم محالّ تجارية وتملك فللاً وشققاً سكنية، خاصة المغتربين. وحتى المسئولين الحضارم في الدولة –على قلة عددهم- أصبح لديهم قصور وسيارات خاصة.

هذا الانفتاح كان يبشر بعصر ذهبي للتجارة، وهذا ميدان الحضارم المفضل وهم أربابه في المهاجر، فكيف بهم في وطنهم. هذا التفاؤل سرعان ما قٌتل لأسباب نشرحها لاحقا.

 لقد ارتفعت اسعار العقار في حضرموت كما هي في صنعاء وعدن أيضا، لكن ذلك لم يمنع من قيام نهضة عمرانية غير مسبوقة، واتسعت مدن المكلا وسيئون والشحر وتريم وغيرها بشكل غير مسبوق خلال أعوام قليلة وكان للعمالة اليمنية الرخيصة العائدة من الخليج، بعد الحرب الثانية، إسهام مقدر في هذه النهضة العمرانية التي شهدتها كل المدن اليمنية. ورافق توسع العمران توسعٌ في الخدمات ووسائل الاتصال والبنى التحتية من طرق وجامعات ومنشئات رياضية وصحية. ودخل القطاع الخاص بمساهمة كبيرة في هذه المشاريع الحيوية.

 في المحصلة النهائية، فإن الحضارم نظروا لهذا التطور الدراماتيكي في علاقة الشطرين، الوحدة والحرية السياسية والانفتاح الاقتصادي، كمحرك لأشواقهم وطموحاتهم ببدء عصر جديد من النشاط الاقتصادي والتجاري، ينبئ بدور مركزي لحضرموت وفق قواعد اللعبة الجديدة، تحقق حضرموت من خلال هذا الدور ذاتها وتؤكد جدارتها، في سياق تكاملي من الأدوار الوطنية لكافة مناطق وجهات اليمن. والحقيقة أن هذه الاشواق والتوقعات كانت مبنية على فرضية مغادرة اليمن لثنائية الصراع الكلاسيكي -جنوب شمال- إلى آفاق أرحب من التنافس البنّاء في تقديم مشروع بناء الدولة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، على غيره من المشاريع الضيقة التي أهدرت عقوداً من عمر الدولة الوطنية الحديثة، وهذا المشروع الوطني الكبير يستوعب كل الطاقات والإمكانات التي كانت توظف سابقا في الصراعات السياسية البينية –في الشطرين أو بينهما- لو أن القيادة السياسية لدولة الوحدة قد أحسنت توظيفها وإدارتها.

إن للحضارم نظرتهم الخاصة من مشروع دولة الوحدة، وفلسفتهم الجديرة بالنظر والدراسة، فعملية توحيد الشطرين أو قيام دولة موحدة مع بقية نواحي اليمن -في الجنوب بعد الاستقلال- عملية تحكمها اعتبارات (مصلحية) بعيدا عن الشعارات الأيديولوجية، تتعلق بما يمكن أن يجلبه هذا المشروع السياسي من رخاء اقتصادي في الدولة وعيش كريم وحرية للمواطن وسيادة واستقلال للوطن، وهذه هي الحقوق الأساسية التي يتوخى تحقيقها لأفراده كل اجتماع إنساني، والدولة أرقى صور الاجتماع التي وصل لها الفكر الإنساني. تأتي بعد ذلك اعتبارات التاريخ والجغرافيا والروابط الاجتماعية كالدم والدين واللغة... يتبع.

*أكاديمي وسياسي يمني

*العنوان الأساسي للمقال هو "(حضرموت: البعد الثالث (5) وقلنا الخرف با ياتي بخيره وبا ينكش طهوب النو تنكيش" وتم اختصاره لضيق المساحة

اقرأ ايضاً

 "أسبيدس" بقيادة إيطالية

"أسبيدس" بقيادة إيطالية

في مايو 2017م كنت في زيارة رسمية إلى ألمانيا، كانت هي الثانية لأوروبا بعد سويسرا، وذلك أثناء رئاستي للحكومة اليمنية، التقيت وزملائي في الوفد -وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، ووزي…

 غزة.. القضية العادلة والاستغلال الحوثي الإيراني

غزة.. القضية العادلة والاستغلال الحوثي الإيراني

‏غزة.. القضية العادلة والاستغلال الحوثي الإيراني همدان العليي ‎@hamdan_alaly أعطوني فائدة واحدة حصل عليها أبناء غزة مما يفعله الحوثي في البحر الأحمر أو عبر مفرقعاته التي يطلقها ب…

 الدكتور أحمد عبيد بن دغر .. قالوها قوية وطنية يمنية

الدكتور أحمد عبيد بن دغر .. قالوها قوية وطنية يمنية

قالوها قوية وطنية يمنية 7يناير 2024تحية لهؤلاء المناضلون كبار القوم وزعماء الإقليم الشرق، قادة سياسيون واجتماعيون مثقفون وإعلاميون، رجالًا ونساءً فقد قالوا كلمتهم في أجواء ملبدة ب…