لطفك اللهم بأوتاد البلاد ومداميكها.
يحيى الثلايا
لطفك اللهم بأوتاد البلاد ومداميكها ..
إن كان للجبال أوتاد تثبتها وتمنعها من الاهتزاز فللأوطان اوتادها، وما هذا الرجل الكبير الا واحدا من أهم اوتاد اليمن واقطابها ورجالها الذين أعطوا بصمت وبسخاء وصدق نادر دون انتظار ثمن ولا افتئات على فوائد او امتيازات زائلة.
الاستاذ الجليل محمد بن عبدالله اليدومي حفظه الله وشفاه وعافاه واتم عليه عافيته واجه عارضا صحيا هذا الاسبوع نسأل الله ان يتجاوزه بالسلامة والاجر.
مجرد وجود هذا الرجل يشعرنا بالطمأنينة أن البلد مازالت في خير، والفزع كبير بغيابه.
اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للاصلاح منذ حوالي عشر سنوات والأمين العام قبلها منذ المؤتمر العام الاول والأمين المساعد خلال المرحلة التحضيرية منذ اعلان تأسيس هذا الكيان اليماني الكبير في 13 سبتمبر 1990م.
هذا الرجل الكبير الراجح عقلا ووزنا وصدقا المعتد بذاته ونظافته، يحبه ويحترمه كل من تعاملوا معه شركاء وانداد وحلفاء أو خصوم، ظل منذ تأسيس الاصلاح وتصدره المواقع القيادية نظيف اليد واللسان في ميدان السياسة الملوث بالفساد والاحقاد والخصومات، يحالف بصدق ويخاصم بشرف ووضوح، ويدرك جيدا ماهي المناطق والدوائر التي يجب تنزيهها عن الخصومات السياسية والمكايدات.
حين شهدت الساحة اليمنية عقب قيام الوحدة اقرار التعددية السياسية والحزبية كان المولود السياسي الاكبر والاكثر اهتماما لدى الدوائر المحلية والخارجية ايضا هو الكيان الذي اطلق على نفسه (التجمع اليمني للاصلاح) والذي ولد عملاقا منذ اول لحظة حيث احتوى فيه اليمن بكل جغرافيتها المترامية وحديثة العهد بالتوحيد، وتنوعاتها الاجتماعية والفئوية والفكرية المعاصرة والتقليدية وحمل على عاتقه من اول يوم تمثيل اصالة البلاد وتطبيق تنوعها داخله وفق ثنائية (الاصالة والمعاصرة) التي جعل منها الاصلاح شعارا وايقونة له، وارتصت في هيئاته كل البلاد وشيوخ قبائلها وأقيالها ونخبة مفكريها ودعاتها وشبابها وعلمائها الاحرار وطلابها وفلاحيها وابناء الارياف في الجبال والسهول، وانتخبت اللجنة التحضيرية ثم المؤتمر العام قيادتها التي حملت سفينتها الى شواطيء الأمان والتي كانت برئاسة ابرز رجالات المجتمع اليمني واكبر شيوخ القبيلة العربية المعاصرة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر طيب الله ثراه.
ادارة ذلك التنوع الواسع والخلاق وضبط مسارات مرحلة التأسيس والولادة والبدايات ثم الدخول الى قلب المشهد السياسي معارضة ثم الوصول لمؤسسة الحكم عقب اول انتخابات ومغادرته نحو المعارضة تسليما بنتائج الانتخابات الثانية وما تلاها من مراحل تأسيس ربما ما كانت لتتم بذلك الانسجام لولا وجود قطبين متميزين في جهازه الفني وشابين متمرسين هما الثنائي المتكامل عبدالوهاب بن احمد الانسي ومحمد بن عبدالله اليدومي.
لم يدخل الاستاذ اليدومي الى عالم السياسة صدفة او من كهف ولا مغارة ولم يكن طارئا عليها او غريبا عن مجتمعه، بل هو قادم من صلب مؤسسة العمل العام واهم اجهزة الدولة واكثرها خطورة، وهو جهاز الامن السياسي/الوطني، جهاز المخابرات الذي ترقى قبل الوحدة وتنقل في دوائره كضابط ملتزم لقيادته وثوابته الوطنية حتى وصل الى رتبة عقيد ومسؤول عن فرع جهاز الامن السياسي بمحافظة صعدة، ورتبة العقيد آنذاك هي الرتبة الاعلى في تسلسل العسكرية اليمنية، فهي ذات الرتبة التي كان يحملها رئيس الجمهورية وقائد القوات المسلحة العقيد علي عبدالله صالح.
وعلى ذكر الرئيس صالح تستحضرني هنا بعضا من صور علاقته بالعزي اليدومي، في العام 1999م حين كان الاصلاح يتصدر قيادة مشهد المعارضة تفاجأ الرأي العام بخروج اليدومي معلنا : مرشحنا للانتخابات الرئاسية هو الاخ علي عبدالله صالح ولا نعلم من سيكون مرشح الاخوة في المؤتمر الشعبي العام.
كانت البلاد انذاك تتجه لاول انتخابات رئاسية مباشرة لكن رأي اليدومي وقيادة الاصلاح كان ان البلد لا تستحمل يومها انتخابات تنافسية وظل الاصلاح رغم وجوده في المعارضة متمسكا بما تمت تسميته (التحالف الاستراتيجي بين المؤتمر والاصلاح لاجل الثوابت الوطنية) وبعد ان فشلت كل محاولات الاصلاح تلك في الحفاظ على الثوابت الوطنية، كان الاستاذ اليدومي ذاته عقب اول انتخابات محلية في 2000 يصرح للاعلام: للاسف انتهى التحالف الاستراتيجي بيننا وبين الاخوة في المؤتمر الشعبي وما مات لا يعود.
الثوابت الوطنية التي نذر لها اليدومي نفسه وفكره وجهوده هي الجمهورية والتعليم والمواطنة المتساوية والفكر الاسلامي الوطني المستنير، لا أحد بين قيادات الاحزاب اليمنية يستطيع مجاراة الاستاذ اليدومي في موقفه الصارخ والمبكر من الامامة والسلالية بكل لبوسها الخشنة والناعمة، فهو الاصدق والاسبق والاكثر وعيا وتوعية بخطورتها وعنصريتها والاشجع في مجابهتها كقيل يماني سوي يرى نفسه ورفاقه امتداد أصيل لحركة الاصلاح والتنوير اليمانية التي ابتدأها لسان اليمن وقيلها الشامخ الحسن بن يعقوب الهمداني.
في ذروة ثورة2011 وتوتراتها الخطيرة بعد مجزرة جمعة الكرامة البشعة كان اليدومي الذي يقف على رأس اكبر احزاب المعارضة التي تقود الاحتجاجات، هو السياسي الوحيد الذي استجاب لطلب الرئيس صالح للنقاش معه وذهب الى دار الرئاسة وحيدا بسيارته ومرافقه الشخصي ليتفقا على اقرار تسوية سياسية تنبنتها المبادرة الخليجبة، وحين كان المزايدون يصرخون ضد المبادرة واقرار الحصانة ويطالبون باجتثات المؤتمر وصالح واسرته ويتهمون الاصلاح بالتواطؤ لم يلق لهم اليدومي أذنا صاغية فهو المؤمن على الدوام ان الوطن لكل أهله، وكان يرفض بشدة استخدام لفظة المخلوع بحق صالح رغم السفاهات اللامنتهية التي اطلقها اعلام المؤتمر تجاهه شخصيا وتجاه حزبه.
وعلى المجال الشخصي يمكن لأي متابع أن يسأل أين اولاد اليدومي وماهي مناصبهم السياسية والتنفيذية التي اسندت اليهم بوساطة والدهم الذي كان شريكا في الحكم وقادرا على تمرير مصالحهم الواسعة حتى يوم كان في المعارضة، لقد اكتفى بتربية اولاده تربية مثالية وبحثوا عن رزقهم وفرصتهم لاثبات كفائتهم في شركات خاصة، ومن يملك نفسا ابية ورأسا شامخة لا تنحني لغير رب العالمين كنفس العزي هم فقط من يستطيعون حيازة كل هذا التماسك الشامخ والكبرياء.
هناك اشياء كثيرة وكثيرة جدا يمكن قولها انصافا عن هذا الرجل الصلب واعترافا بأدواره ووطنيته وصدق حاله ومقاله، وهو الذي لم يبحث يوما عن تلميع او تسويق رغم قدرته على فعل ونيل ذلك بكل يسر وسهولة، لكنه مدرسة يمانية لا تتكرر امثالها ومن الواجب والشهامة والمروءة انصافه بل واقتفاء اثره ودراسته تجربته الغنية.
كن بخير أبانا واستاذنا الجليل، شفاك الله وعافاك وابقاك، نسأل الله ان تتجاوز ألمك هذا عاجلا، لازلنا ولا زالت البلاد بحاجة إليك وإلى امثالك من الاقطاب الخلص الشرفاء في لحظتها المظلمة هذه وظرفها الصعب..
الصورة جمعتني به قبل اكثر من عام في العاصمة السعودية الرياض.