تشهد مدينة مأرب، حراكاً ثقافياً وفنياً نشطاً شمل مختلف المجالات الفنية والإبداعية، سواء من خلال المؤسسات أو الأفراد، وأصبحت هذه الأعمال حاضرة في كل تفاصيل الحياة اليومية في المدينة التي تكتظ بملايين السكان والنازحين.
ومنذ انقلاب مليشيا الحوثي على الشرعية الدستورية والاجماع الوطني واجتياحها العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، أصبحت مدينة مارب ملاذًا لكل أبناء اليمن الذين قدموا إليها هرباً من بطش المليشيات وفي مقدمتهم شريحة الفنانين والمثقفين والمبدعين، والذين شكّلوا رافداً مهماً للحياة الفنية في المحافظة إلى جانب المثقفين والمبدعين من أبنائها.
ولاحقاً، شكّلت مدينة مارب منتدى رائداً للفنانين والمبدعين والموهوبين اليمنيين، أطلقوا خلالها العنان لإنتاجاتهم الفنية، وحظيت مشاريعهم وإنتاجاتهم الإبداعية بدعم وتشجيع من قبل السلطة المحلية والجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة.
ولادة وحضور
وخلال السنوات الثلاث الماضية، نشأت بمدينة مأرب العديد من المؤسسات الإعلامية والثقافية، سواء مراكز إنتاجي إعلامي أو منتديات وتكتلات خاصة تهتم بمساعدة الشعراء والفنانين والأدباء أو مراكز تعني بتقديم الخدمات الفنية للمؤسسات والأفراد الذين يعملون في الوسط الفني والإبداعي.
وباتت انتاجات هذه المؤسسات والأفراد حاضرة بقوّة في كل تفاصيل حياة المواطنين الذين تكتظ بهم محافظة مارب، بل وملأت أرجاء اليمن والجزيرة العربية، وبالأخص ما يتصل بالمعركة التي يخوضها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لتحرير البلاد من مليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران.
وتعد الأغاني والشيلات والزوامل من أغزر الإنتاجات الفنية التي عادة ما ترافق سير المعركة الوطنية، سواء بطابعها التراثي المأربي أو بالألوان الشعبية التي تتميّز بها المحافظات اليمنية الأخرى، ويجري إنتاج فرديًا أو يشترك في ذلك عدد من الفنانين والشعراء والمبدعين، يليها الأعمال الأدبية والدرامية التي يشترك فيها نجوم الفن اليمني ومعهم كثير من المواهب الصاعدة التي أتيحت لها الفرصة لإظهار مهاراتها، وتحضر هذه الأعمال بقوّة في المناسبات اليومية أو الدورية، سواء على خشبة المسرح أو في شاشة الفضائيات أو في كلاهما معاً.
التراث الماربي
وفي خضم هذا الزخم الفني، نشأت منتديات أهلية ماربية، تهتم بإحياء التراث الشعبي الذي تتميّز به وإعادته إلى الواجهة، وأحدثها "منتدى سبأ للتراث والإبداع" الذي دشّن باكورة أعماله في سبتمبر الماضي، تزامناً مع احتفالات الشعب اليمني بذكرى الأعياد الوطنية سبتمبر وأكتوبر.
يقول الشاعر احمد حدير، إن فكرة إنشاء "منتدى سبأ للتراث والإبداع" أتت من "الفراغ الموجود في الساحة الفنية البدوية ونظراً للحاجة الملحة لوجود هذا الفن التراثي وكون مأرب مدينة ذات حضارة تاريخية تمتلك مخزون فني تراثي كبير في مختلف المجالات".
ويضيف حدير، وهو مدير المنتدى، بأن الخوف من اندثار ونسيان الموروث الثقافي الماربي كان من ضمن الأسباب التي جاءت بفكرة التأسيس، إلى جانب "النهوض بالواقع الثقافي وإحياء التراث الشعبي الماربي وتعميق الهوية الوطنية.
وشارك المنتدى في عدد من المناسبات الاجتماعية والوطنية ومنها "مهرجان صناع الجمال1" وفي الحفل الكرنفالي والفني لإيقاد شعلة العيد الـ ٥٨ لثورة ٢٦ سبتمبر، بأوبريت "مجد اليمن" وحالياً على وشك تدشين أغنية اجتماعية تعالج قضية الثأر بعنوان "غيرت لونك" وفقاً لـ"حدير".
تشجيع الإبداع
ويقول حدير، في تصريح لـ"أوام أونلاين" أن من ضمن أهداف المنتدى، "تشجيع ورعاية المبدعين والموهوبين وتنمية مهاراتهم الإبداعية"، بالإضافة إلى "إيجاد بيئة ملائمة للإبداع والإهتمام بالموروث والفنون في المجتمعات المحلية".
ووفقاً لـ"حدير" فإن منتدى سبأ، يتكون من عدة أقسام، وهي: (القسم الفني الغنائي والفلكلور والتراث والشعر والأدب والمسرح)، ويضم المنتدى حاليًا قرابة 100 عضو ما بين منشد وفنان وشاعر وممثل وفلكلور.
حكاية "دار السلام"
ومنذ تأسيسه تمكن من إنتاج عدّة أعمال فنية، سواء فردية أو جماعية، ويعد الأوبريت الفني "دار السلام" هو أبرز هذه الأعمال، ووفقاً للشاعر حدير، فإن هذا العمل الفني سعى "لإظهار مأرب بوجهها الفني الذي يدعو إلي السلام والحب والتعايش لا كما يصورها البعض بعكس ما هي عليه".
وتابع في حديثه لـ"أوام أونلاين": حاولنا فيه (الأوبريت) المزج بين التراث والحضارة وهذا ما تم بالفعل بداية الأوبريت من خلال الأغنية التي عنوانها "هنا المجد" والتي تحدثت عن مارب تاريخياً، أما الوصلة الثانية فتحدثت عن مأرب مدينة السلام وتم فيها إدخال فكرة الراب وكذلك الكلمات باللغة الانجليزية".
ولاقى هذا العمل، وفقاً لـ"حدير" صدى كبير وبالأخص لدى المتذوقين والمتعطشين للفن التراثي بالقالب البدوي الماربي، والذين أبدوا إعجابهم بالأوبريت على الصعيد المحلي، وعلى مستوى الوطن العربي، حيث أتتنا رسائل كثيرة من عدة جهات تشيد بالعمل، وتناولته العديد من وسائل الإعلام ومنها صحف أردنية، ولاقى استحسان قنوات محلية وخارجية والتي أثنت عليه وبادرت ببثه على شاشاتها.
ولفت حدير، إلى أن إنتاج هذا العمل استغرق قرابة 8 أشهر انتاجًا صوتيًا وتصوير فيديو كليب، وطالت هذه المدّة بسبب الصعوبات والقيود التي فرضتها إجراءات الحظر جراء تفشي جائحة كورونا.. لافتاً إلى أن العمل شارك في إنتاجه بصورة عامة قرابة 70 عضو ما بين شعراء وفنانين ومصورين وفناني فلكلور وخدمات وتنسيق وأشراف وإخراج.
وفي المجمل، ساهمت هذه الأعمال الفنية والإبداعية- وما تزال- في صناعة الوعي الجمعي حول ما يدور على الساحة الوطنية، بالإضافة إلى أنها شكلت حاجزاً منيعاً أمام محاولات النيل من الهويّة الوطنية من خلال رسائل هادفة جرى تقديمها في قوالب وألوان فنية متعددة.