أوام أونلاين _ وليد الراجحي
كان شاباً مفعماً بالحيوية والبطولة ،والرجولة والشهامة والصفات القيادية ،بشوش الوجه ،لاتفارق الابتسامة محياه .
من أنبل شباب الجدعان ،الذين صادفتهم وعرفتهم ،كلما نتذكر هذا البطل رغم الألم ،لكنه يمنحنا التفاؤل والإصرار.
كان معلماً وملهماً ومربياً وقدوة لطلابه ،لقنهم النشيد الوطني ،وغرس في قلوبهم حب الوطن ، والشجاعه والقيم النبيلة إنه الشهيد القائد والبطل الهمام سالم مبروك ناصر رقيب.
الكريم إبن الكرام.
أحد أعلام قبائل الجدعان محافظة مأرب، تشرب القيم والأخلاق ومهارة القيادة منذ ، نعومة اظفاره ،متأثرا بأبيه وإخوانه ، جلهم قادة ،ورموز اجتماعية وسياسية وقبلية ، فصبغ بصبغتها ،وكأنه ولد قائدا ، هكذا يوصفونه.
رغم صغر سنه ،فهو من مواليد 1985م ،إلا أنه فاق سنوات عمره حنكة وقيادة ،وعقلا وحكمة.
ميلاده ونشأته
ولد بطلنا الشهيد سالم مبروك رقيب بمديرية مجزر إحدى مديريات محافظة مارب الشمالية ،القبيلة الأبية ذو البأس الشديد ،والتي دفعت فاتورة باهظة في معركة الدفاع عن الوطن منذ وقت مبكر .
عاش سالم ،سليم الصدر وعرف بذلك بين أقرانه ،الذين كان يهديهم النصائح ، ليكونوا اشخاص استثنائيون في مجتمع ،قبلي يكاد يكون التعليم على هامش الإهتمام ، وغياب المدارس ، وهو جزء مما نال مارب من سياسة التجهيل خلال الماضي ، استطاع سالم أن يجد فرصة للإلتحاق بالتعليم ،وكان مثابرا في دراسته ، وحصد مراكز متقدمة وتفوق على اقرانه ،وكان شقيقه الأكبر قدوته في الإصرار على تجاوز عتبته الأمية والولوج في رحاب العلم والمعرفة.
نضاله الحقوقي .
ما أن انهى دراسته الثانوية ، التحق بالمعهد العالي لإعداد المعلمين في مأرب ، ونال درجة الدبلوم ، وعمل معلما في مدرسة منطقته ، وبذل كل وسعه في أداء مهمته التعليمية والتربوية وإن كانت قصيرة ،ووسع واقع بئيس قاسى ما يقاسيه المعلم في الميدان ،من قلة اهتمام وتدني مستوى الأجور ،وغياب البدلات لذلك حمل على عاتقه الانتصار للتعليم بمنح المعلم حقوقه ،وأدرك أن مهمته الصعبة لايمكن انجازها إلا من خلال كيان فكانت نافذته نقابة المعلمين التي انتسب اليها ،دافع عنهم وطالب بحقوقهم وقادر ثورة حقوقية في مديرية ،حتى أرسى دعائم الإحترام للمعلم ونيله جزء من حقه ومكانته في المجتمع .
في الوقت الذي كان يخوض معركته الحقوقية مع الجهات المعنية ،كان يخوض معركة الوعي في المجتمع القبلي ، تجاه التعليم والاهتمام به والحاق الأطفال بالتعليم ، ومكانة المعلم واستطاع باسلوبه الراقي وخطابه الصادق ،أن يفتح كثيرا من القلوب وكان له تأثيرا كبيرا في المجتمع بشكل عام .
ولدوره النضالي الصادق والطوعي انتخب رئيسا لنقابة المعلمين في مديرية مجزر ، ثم انتخب نقيبا للمعلمين فرع مارب في 2013م ،حتى 2015م.
وشهد العمل النقابي خلال قيادته للنقابة نقلة نوعية.
لم يغيب الشهيد البطل سالم رقيب عن الميادين الحقوقية الاخرى ، رغم تركز جهده في الجانب التربوي والتعليمي ، فقد كان شخصية محبوبة في المجتمع ، وقريب من الناس ،يساهم في حل مشاكلهم ويتلمس احوالهم.
قائد في ثورة الشباب
في العام 2011م ما أن اندلعت ثورة الشباب السلمية كان سالم أحد الأوائل الذين التحقوا بها ،وشارك في نصب خيامها الأولى ، وكان احد القيادات الشابة لثورة فبراير ،ونظرا لفاعليته وحيويته وتفانية وبروز دوره ،ازداد حب الناس له وثقتهم بقدراته القيادية ، كشاب متقد الهمة ،مستنير البصيرة ، انتخب رئيسا لإئتلاف شباب مديرية مجزر .
شارك بفعاليات الثورة السلمية ، وقاد المسيرات ،وكان سندا للشباب في ساحة الحرية بمأرب ،كما هو سندا للمعلمين في المحافظة ، وكان له مشاركاته الفاعلة مع الهيئة العليا للنقابة ،وقدم مجموعة من الأفكار والرؤى والمشاريع التي تسهم في خدمة المعلم ،كادت ترى النور ،ويصل خيرها للمعلم إلا أن الحرب الحوثية حالت دون ذلك.
كرس الشهيد جهده خلال مرحلة الثورة ، في صناعة الوعي باهمية النضال السلمي ، وضرورة التخلي عن السلاح ، وخوض غمار الثورة بصدور عارية ، وكان له تاثير كبير على الشباب ، الذين فعلا تخلوا عن سلاحهم وتلقوا طلقات الرصاص بصدور عارية حينها .
دوره في معركة الدفاع عن الجمهورية
أثر فيه نضاله السلمي في نيل الحقوق والحريات ،وكان يرفض أي سلوك يحاول الاستقواء بالسلاح أو القبيلة أو الحزب لنيل حقه ، اتخذ من النهج السلمي مسارا له لانتزاع الحقوق ، ومضى في ذلك قدما ، طالما كانت المعركة سلمية ، وحينما استخدمت المليشيا الحوثية قوة السلاح لاجتياح مديريته ،حمل سلاحه وتقدم الصفوف في ٢٠١٣و٢٠١٤م وسطر بطولات خالدة حينها ، ودوخ مليشيا الحوثي على امتداد جبهة مجزر حينها.
وكما كان فارسا مغوار في معركة القلم ،كان فارساً وبطلاً مقداما في معركة السلاح .
وكان يقول لا يمكن أن نحتكم لمليشيا الجهل والنزعة العنصرية ،التي ترى في اليمنيين مجرد عبيدا لها .
استمر في ميدان المعركة طوال فترة المواجهات التي فرضتها مليشيا الحوثي، وعقب انقلاب المليشيا في 21سبتمبر 2014م على مؤسسات الدولة ،وبدأت التحشيد ضد مأرب مطلع العام 2015 م وتلاشت المؤسسة العسكرية في صنعاء وعدد من المدن اليمنية وتخلى الجيش عن مهمته ، ووجدت قبائل مأرب أنها مجبرة على الدفاع عن نفسها ومنع اجتياح مليشيا الحوثي لمناطقها ،كان سالم أحد اوائل الأبطال الذين كانوا ارقاما وطنية صعبة في معادلة المعركة ، توشح سلاحه وانطلق لتحشيد المجتمع وتعبئته للدفاع عن أرضه وعرضه ومنطقته والبلاد عموما ومصالحها الحيوية.
وقف سالم مقاوما صلبا للمليشيات الحوثية منذو بدأت غزو محافظة مارب والجوف ، وقاد المعارك وسطر أروع البطولات.
خلال فترة تحشيد مليشيا الحوثي ضد مأرب، ولأن سالم لا يرضى إلا أن يكون رجل المهمات الصعبة ، وجد أن الجميع قادر على حمل السلاح وأن المقاومة تحتاج ،قيادات نوعية تخصصية ، وقرر أن يكون السلاح الذي سيواجه به مليشيا الحوثي ، بقدر همته ، كيف لا وهو أخ لأربعة شهداء ، وعم شهيد ، فبدأ يفتش عن أصدقائه واقاربه ،المنخرطين في السلك العسكري ،واستفاد منهم مهارات في قيادة الدبابات ،واستخدامها بمهارة احترافية.
وما أن بدأت المليشيات في التحرك لاجتاح مأرب، واجهها بقذائف الدبابة التي سحقت المليشيا واثخنت في جراحهم.
ولان الأبطال منازلهم عالية في الدنيا وعن بارئهم ، أذن الله ان يرتقي سالم شهيدا .
حكاية استشهاده
ولإستشهاده حكاية آخرى ،في إبريل من العام 2015م كان للشهيد سالم موقفا لا ينساه اهله ورفاقه ،حينما غادر أسرته إلى جبهة المواجهات ،ودعهم وداعه الاخير ،وكأنه يعلم ذلك ، معلنا لهم انه شهيدا ولن يعود والملتقى الجنة .
قبيل استشهاده ، وحينما اشتدت المعركة ،اخرج وصيته ، وأوراقه المهمة ووضعها حيث يجب ، واعتلى دبابته، وخاض، معركة حامية الوطيس ، في جبهة ماس ،حتى لقي ربه شهيدا مجيدا ،في معركة تحرير معسكر ماس الذي مثل فاتحة التحرير حينها .
ترجل الفارس عن صهوت جواده، شهيدا مجيدا ،استقبلت واسرته والدته وطفلته الوحيدة نبأ استشهاده ،وودعوه بطلا مضى إلى شهيدا ،ومثله لا يليق به إلا أن يكون في مواكب الشهداء .
رحل الشهيد وترك فراغ كبير في الحقل التربوي والاجتماعي وبقي أثره وبطولاته مضرب مثل في الشجاعة ، رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه فسيح جناته.
تلك واحدة من مفردات بطولة سالم مبروك رقيب ،وله في كل موطن حكاية.